مع اتساع رقعة الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في سورية، وخاصة في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد، ازدادت أعمال الخطف والاختفاء القسري، الأمر الذي شكّل ظاهرة لافتة للانتباه.
ويُعتقد بأن معظم أعمال الخطف التي حدثت في هذه المناطق، والتي لم تستهدف نشطاء في الشأن العام، كانت مرتبطة بأهداف اقتصادية، وتسعى للابتزاز والحصول على فدية مالية، وتمت على يد عصابات تستخدم اسم الجيش الحر، مستغلة الفراغ الأمني في هذه المناطق، وعدم وجود قيادة مركزية للقوات المناوئة للنظام السوري.
لكن وبموازاة أعمال الخطف السابقة، شهدت هذه المناطق أعمال خطف لنشطاء سياسيين، ولم يُطلب من ذويهم أية فدية، مما يؤكّد ان الخطف أو الاعتقال قد تم على يد جهات تستهدف هؤلاء النشطاء نتيجة لأعمالهم أو مواقفهم السياسية أو الإعلامية أو الحقوقية.
وسوف نعرض هنا لبعض حالات الخطف التي تمّت في الآونة الأخيرة، ونستعرض الظروف والمعطيات الخاصة بكل حالة.
اختطاف الأب باولو
يُعدّ الأب باولو من أبرز رموز الثورة السورية، لما عُرف عنه من مواقف مؤيدة للثورة ومناهضة للنظام السوري، وهي المواقف التي أدّت إلى إبعاده عن سورية في 14/6/2012، بعد أن قام بزيارة إلى مدينة القصير، والتقى الثوار هناك. وقد قضى الأب باولو 30 عاماً من حياته في سورية، ويتكلم العربية باللهجة السورية، وهو يحمل الجنسية الإيطالية.
عاد الأب باولو إلى سورية بعد ذلك أكثر من مرة من خلال الأراضي التي تُسيطر عليها المعارضة، وفي زيارته الأخيرة في شهر تموز/يوليو 2013 قام بالتوجّه إلى مدينة الرقة في يوم الأحد 28/7/2013، حيث شارك في مظاهرة هناك نصرة لحمص؛ وألقى كلمة فيها، وفي اليوم التالي، 29/7/2013 وصلت معلومات عن اختفائه أو اعتقاله.
وتضاربت الأنباء حول كيفية اختفائه، حيث أشارت أغلب الشهادات إلى أنّه توجّه بنفسه إلى مقر ما يُسمى “دولة العراق والشام الإسلامية”، من أجل لقاء ما يُسمّى بأمير الدولة، لطلب الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين لدى هذه الجماعة المسلحة. فيما أشارت روايات أخرى إلى أن الأب باولو تم اختطافه في أحد شوارع الرقة من قبل مسلحين يُعتقد أنهم ينتمون إلى “دولة العراق والشام الإسلامية”.
ومنذ اختفاء الأب باولو، لم تصل أي معلومات أخرى تُشير إلى مصيره، أو مكان احتجازه أو سبب هذا الاحتجاز.
ولا تقوم “دولة العراق والشام الإسلامية” بتقديم أي معلومات من جهتها عن نشاطاتها أو عن أسباب احتجازها للأب باولو أو غيره من النشطاء، كما لا يُعرف أي متحدث رسمي للتنظيم، أو اسم أو صورة أي شخصية فيه.
اختطاف الصحفي مارتن سودر
في 24/7/2013 اختطف الصحفي البولندي مارتن سودر في مدينة سراقب في سورية، بعد أن قامت مجموعة من المسلحين باقتحام المكتب الإعلامي لمدينة سراقب، واعتدت بالضرب على الناشط منهل باريش، واختطفت الصحفي سودر، الذي كان يقوم بتدريب النشطاء الإعلاميين في المكتب على مهارات التصوير. كما قام المسلحون بسرقة محتويات المكتب، بما في ذلك أجهزة الكمبيوترات المحمولة وما توفّر من مبالغ مالية.
وما يزال الصحفي سودر رهن الاختطاف ولا تُعرف الجهة الخاطفة ولا أسباب الخطف.
اختطاف المحامي عبد الله خليل
في يوم 19/5/2013 تعرّض المحامي عبد الله خليل، رئيس المجلس المحلي لمحافظة الرقة، للخطف من قبل مسلحين بلباس مدني يستقلون سيارتين، اعترضوا سيارته عندما كان برفقة ضابط أمن ومرافقه الشخصي وابن أخيه، حيث قاموا باختطاف خليل مع مرافقه الشخصي، والذي تمكّن من القفز من السيارة التي تم وضعه فيها بعد تحرّكها بقليل.
والمحامي عبد الله الخليل ناشط سياسي ومعتقل سابق في سجون النظام السوري، حيث كان قد اعتقل في 1/5/2011 وأطلق سراحه بتاريخ 29/7/2011، ثم اعتقل ثانية أثناء الاعتصام في نقابة المحامين بالرقة بتاريخ 22/8/2011 وأطلق سراحه في 29/8/2011، واعتقل ثالثة بتاريخ 15/12/2011 مع ابنه محمد الذي أخلي سبيله في اليوم التالي، لكن لم يخل سبيل المحامي عبد الله إلا في 26/12/2011، وأقدمت السلطات على هدم منزله في 18/12/2011، ثم دمرت مزرعته واقتلعت الأشجار المثمرة فيها، ثم اعتقل مرة رابعة في 3/2/2012 وأفرج عنه في 29/3/2013.
اختطاف المراسل الميداني عبيدة بطل
في يوم 25/7/2013 تعرّض طاقم قناة أورينت في مدينة حلب للاختطاف على يد مسلحين، حيث اختطف مراسل القناة عبيدة بطل والمهندس حسام ناظم الدين من الطاقم الفني في القناة، مع سيارة البث المباشر كاملة.
وجاء اختطاف طاقم أورينت بعد يوم واحد من اقتحام المكتب الإعلامي في سراقب، واختطاف الصحفي البولندي مارتن سودر، مما يُشير إلى ارتباط بين الحادثين، وتؤشّر لوجود جهة ما تسعى لإسكات صوت الإعلام، ومنعه من نقل ما يجري على الأرض.
* * *
وبحسب شهادات حصلت عليها اللجنة، فإنّ هناك مؤشرات عن تورّط جهات غير سورية في معظم حالات الخطف، حيث تشير الشهادات إلى وجود أشخاص غير سوريين بين الخاطفين في حالة اختطاف طاقم أورينت والصحفي مارتن سودر والمحامي عبد الله خليل، مما قد يُلقي بالائمة على تنظيم “دولة العراق والشام الإسلامية”، أو بعض الفصائل القريبة منها.
إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وإذ تبدي قلقها الشديد حول مصير المختطفين، فإنّها تطالب الخاطفين بالإفراج عنهم بأسرع وقت ممكن، والمحافظة على سلامتهم.
كما تطالب اللجنة كافة الفصائل المسلحة في سورية العمل على حماية حرية التعبير في المناطق التي تسيطر عليها، من خلال تأمين الحماية اللازمة لنشطاء المجتمع المدني والإعلاميين، والعمل على منع التجاوزات التي تقوم بها بعض المجموعات.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
16/8/2013