في تقريريْن موجزيْن أصدرتْهما اليوم، وجدت منظمة العفو الدولية أنه بعد مرور سنتين على نهوض السوريين في احتجاج سلمي ضد حكومتهم، ها هي البلاد تغرق في نـزاع دموي، ارتكب فيه الطرفان جرائم حرب.
وتؤكد بحوث أُجريت داخل سوريا في الأسبوعين الأخيرين أن قوات الحكومة لا تزال تقصف المدنيين بلا تمييز، وكثيراً ما يتم ذلك باستخدام أسلحة محظورة دولياً، وتُدمِّر أحياء بأكملها. وعادةً ما يتعرَّض المعتقلون لدى هذه القوات للتعذيب أو الاختفاء القسري أو الإعدام خارج نطاق القضاء.
كما لجأت جماعات المعارضة المسلحة إلى احتجاز رهائن، وتعذيب وقتل الجنود وأفراد المليشيات المؤيدة للحكومة والمدنيين الذين أسرتهم أو اختطفتهم.
وقالت آن هاريسون، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إنه في الوقت الذي لا تزال فيه الأغلبية العظمى من جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة تُرتكب على أيدي القوات الحكومية، فإن بحوثنا تشير إلى تصاعد الانتهاكات على أيدي جماعات المعارضة المسلحة كذلك.”
وأضافت تقول: “إذا لم يتم التصدي لمثل هذه الممارسات، فإنها يمكن أن تصبح أشدَّ استحكاماً، ولذا ينبغي أن يعرف جميع المعنيين أنهم سيخضعون للمساءلة على أفعالهم.”
وأظهرت بحوثنا مرة أخرى أن الحكومة السورية تستخدم أسلحة محظورة دولياً ضد المدنيين.
في 1 مارس/آذار، وجد باحث في منظمة العفو الدولية في حلب تسع قنابل عنقودية كانت قد أُسقطت من طائرة حربية نفاثة على منطقة سكنية مكتظة.
وقُتل أكثر من اثني عشر شخصاً وجُرح عشرات آخرون من سكان المنطقة، بينهم عدد من الأطفال.
وتحدَّث أحد السكان، وهو من عائلة “الديك”، لمنظمة العفو الدولية عن كيفية مقتل أقربائه في الهجوم، وهم : إيناس، وعمرها سنتان، وهبة وعمرها 8 سنوات، وراما وعمرها خمس سنوات، ونزار وعمره 6 سنوات، وطه وعمره 11 شهراً، ومحمد وعمره 18 شهراً. لقد قُتلوا جميعاً لماذا؟ ولماذا الأطفال؟
وكما هي الحال في مثل هذه الهجمات، فقد كان الموقع مليئاً بال القنابل الصغيرة التي لم تنفجر، والتي ستظل تتسبب بمقتل وتشويه الأشخاص الذين يلتقطونها، وغالباً ما يكونون من الأطفال.
وعلى مقربة من المكان عُثر على ذراع طفل تحت ركام حي دُمِّر بصاروخ باليستي أرض- أرض بعيد المدى أطلقته القوات الحكومية من مسافة مئات الكيلومترات.
وقُتل وجُرح مئات من السكان، بينهم العديد من الأطفال، في ثلاث من هذه الهجمات التي وقعت مؤخراً، والتي أبادت عائلات بأكملها. فقد تحدثت صباح، وهي امرأة نجتْ من المذبحة وعمرها 31 عاماً، لمنظمة العفو الدولية عن خسارتها : “قُتلتْ بناتي إسراء وأماني وآية، اللاتي تبلغ أعمارهن 4 سنوات و6 سنوات و11 سنة على التوالي، وزوجي ووالدتي وشقيقتي نور، البالغة من العمر 14 سنة، وثلاثة من أبناء شقيقاتي الأُخريات، وهم أحمد وعبدالله ومحمد الذين يبلغ أعمارهم 18 شهراً وثلاث سنوات وأربع سنوات على التوالي. لقد قُتلوا جميعاً، فماذا يتبقَّى لي في هذه الحياة؟”
وهلَك آلاف الأشخاص في شتى أنحاء البلاد في الأشهر الأخيرة نتيجة لهجمات مشابهه شنَّتها قوات الحكومة بأسلحة يجب ألا تُستخدم في المناطق المدنية.
وفي أماكن أخرى في حلب، يتم التقاط جثث رجال وأولاد بشكل شبه يومي وهي ملقاة في النهر، وقد أُطلق عليهم الرصاص في الرأس وقُيِّدت أيديهم خلف ظهورهم.
وتطفو الجثث على سطح الماء من جهة الجزء الخاضع لسيطرة القوات الحكومية من النهر.
وكان من بين الضحايا الذين عُثر عليهم في الأسبوع الأول من مارس/آذار صبي في الثانية عشرة من العمر ووالده. وكان كلاهما، كغيرهما من القتلى الذين تم التعرف على هويتهم حتى الآن، قد اختفيا في منطقة من المدينة تخضع لسيطرة الحكومة.
وأظهر فيلم فيديو صُوِّر من جزء آخر من البلاد صبياً يتراوح عمره بين 12 سنة و 14 سنة، وهو يحمل بلطة ويقف فوق جسد رجل، تم تحديد هويته فيما بعد على أنه العقيد عز الدين بدر.
ويُظهر الفيلم رجلاً مُلقى على الأرض، وقد قُيِّدت يداه خلف ظهره، بينما يُسمع صوت في الخلفية قائلاً: “إنه ليس قوياً”. ثم يهوي الصبي بالبلطة على عنق الرجل وسط هتافات استحسان من أفراد الجماعة المسلحة.
ومضت هاريسون تقول: “إن الأطفال في سوريا يتعرضون للقتل والتشويه بأعداد كبيرة على نحو متزايد نتيجة لعمليات القصف التي تنفذها قوات الحكومة. وشاهد العديد من الأشخاص والديهم وأشقاءهم وجيرانهم وهم يمزَّقون إرباً أمام عيونهم. ويكبر هؤلاء الأطفال وهم يتعرضون للأهوال التي تفوق التصور.”
وفي منطقة بجنوبي دمشق، تحدث شهود عيان عن “حفرة الموت” التي يُعتقد أن قوات المعارضة المسلحة ألقت فيها جثث الأشخاص الذين قامت بإعدامهم من المقاتلين المؤيدين للحكومة أو الذين يُشتبه في أنهم مُخبرون للسلطات.
وفي حالة أخرى أُخبر باحث في منظمة العفو الدولية كيف عُثر على جثة رجل متهم بأنه متعاون مع النظام بعد قتله على أيدي إحدى الجماعات المسلحة.
فقد قال أحد الجيران لمنظمة العفو الدولية: “ذهبنا إلى هناك فوراً فوجدناه ملقى على كومة قمامة، ورأينا ثقب رصاصة في وسط جبينه وإصابة بسلاح ناري في كتفه… كما كُسرت ركبته وعُلِّقت عليه بطاقة بنية اللون كُتبت عليها عبارة “العوايني” (المتعاون) العقيد هلال عيد”.
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فقد نزح داخلياً ما يربو على مليوني شخص من المدنيين. وبعد فرارهم من منازلهم تعرَّض العديد منهم للقصف في المناطق التي لجأوا إليها، فنـزحوا منها مرة أخرى.
وقد أغلقت تركيا حدودها مع سوريا جزئياً، تاركةً آلاف النازحين داخلياً وقد تقطَّعت بهم السبل على الجانب السوري من الحدود في ظروف مريعة.
واختتمت آن هاريسون تصريحها بالقول: “مع كل ساعة تمرُّ من دون اتخاذ قرار من قبل المجتمع الدولي، يُزهق المزيد من أرواح البشر. فكم من المدنيين يجب أن يلقوا حتفهم قبل أن يحيل مجلس الأمن الوضع في سوريا إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كي يصبح بالإمكان مساءلة مرتكبي هذه الجرائم الفظيعة؟