مقدمة
قانون حالة الطوارئ المرسوم التشريعي ذو الرقم (51) تاريخ 22/12/1962
التعليق:
أولاً: عدم دستورية حالة الطوارئ في سورية من حيث الشكل
ثانياً: الممارسات العملية لأجهزة الأمن استناداً لحالة الطوارئ تفتقر للمشروعية الموضوعية
ثالثاً: الآثار القانونية للأوامر العرفية باعتقال المواطنين استناداً إلى حالة الطوارئ
رابعاً: موقف المنظمات غير الحكومية الدولية والعربية والسورية من حالة الطوارئ
خامساً: إن حالة الطوارئ في سورية أصبحت وضعاً قانونياً دائماً ولم تعد حالة استثنائية:
من أخطر المسائل انتهاكاً لحقوق الإنسان وتأثيراً على ممارسته حريته أن تتحول الدولة بجميع إمكاناتها المادية والمعنوية من تنظيم اجتماعي وُجد أساساً لحماية حقوق أبناء المجتمع وحرياتهم ومصالحهم وتنظيم شؤونهم، إلى مؤسسة تمارس الإرهاب ضد أفراد المجتمع أنفسهم، فترتكب جرائم القتل وحجز الحرية ومصادرة الأموال والقمع ضد معارضيها ومخالفيها في الرأي تنفيذاً للقوانين القمعية التي شرّعتها.
تبحث سلسلة المراجعات هذه في أربعة قوانين قمعية في سورية إضافة إلى الدستور الدائم للجمهورية الذي أُقر عام 1973، في سبيل الوصول إلى تشريعات أكثر احتراماً لحقوق الإنسان، والخلوص من حالة الانتهاك المقننة للحريات.
قانون الطوارئ في سورية هو القانون القمعي الأخطر الذي يمس حقوق جميع المواطنين السوريين بلا استثناء، وهو أداة لسلب حريتهم والاستيلاء على أموالهم وانتهاك سائر حقوقهم التي ضمنتها الشرائع السماوية والقوانين الأرضية، ولوائح حقوق الإنسان. فقد فوض هذا القانون سلطات الحكومة أن تفعل ما ترى بأي مواطن دون بيان الأسباب وبلا تعليل ودون حق لأي جهة قضائية في الاعتراض على هذه الأفعال التي تشكل أبشع الجرائم الجنائية. وبكلمة موجزة يعطي القانون الحكومة الحق في فعل أي شيء في الوطن والمواطنين إلا أن تخلق بشر سويّاً.
وسنعرض أولاً نص القانون، ثم ننتقل إلى التعليق عليه.
قانون حالة الطوارئ: المرسوم التشريعي ذو الرقم (51) تاريخ 22/12/1962
أصدر مجلس الوزراء ونشر رئيس الجمهورية المرسوم التشريعي التالي:
الفصل الأول: إعلان حالة الطوارئ
المادة 1 –
أ – يجوز إعلان حالة الطوارئ في حالة الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو في حالة تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في جزء منها للخطر، بسبب حدوث اضطرابات داخلية أو وقوع كوارث عامة.
ب – يمكن أن تتناول حالة الطوارئ مجموع الأراضي السورية أو جزءاً منها.
المادة 2 –
أ – تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له.
ب – يحدد المرسوم القيود والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي اتخاذها والمنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا المرسوم التشريعي دون الإخلال بأحكام المادة الخامسة منه.
المادة 3 –
أ – عند إعلان حالة الطوارئ يسمى رئيس مجلس الوزراء حاكماً عرفياً وتوضع تحت تصرفه جميع قوى الأمن الداخلي والخارجي.
ب – للحاكم العرفي تعيين نائب أو أكثر له مرتبطين به وذلك بمرسوم.
ج – يمارس نواب الحاكم العرفي الاختصاصات التي يفوّضهم بها (الحاكم العرفي) ضمن المناطق التي يحددها لهم.
المادة 4 – للحاكم العرفي أو نائبه أن يصدر أوامر كتابية باتخاذ جميع القيود و التدابير الآتية أو بعضها وأن يحيل مخالفيها إلى المحاكم العسكرية:
أ – وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أوقات معينة، وتوقيف المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفاً احتياطياً، والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت، وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.
ب – مراقبة الرسائل والمخابرات أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف، والنشرات، والمؤلفات، والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.
ج – تحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها.
د – سحب إجازات الأسلحة والذخائر والمواد القابلة للانفجار والمفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها، وضبطها، وإغلاق مخازن الأسلحة.
هـ – إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
و – الاستيلاء على أي منقول أو عقار وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات، وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يجري الاستيلاء عليه.
ز – تحديد العقوبات التي تفرض على مخالفة هذه الأوامر على ألا تزيد على الحبس مدة ثلاث سنوات، وعلى الغرامة حتى ثلاثة آلاف ليرة، أو إحداهما.
وإذا لم يحدّد الأمر العقوبة على مخالفة أحكامه، فيعاقب على مخالفتها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ليرة، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كل ذلك مع عدم الإخلال بالعقوبات الأشدّ المنصوص عليها في القوانين الأخرى.
المادة 5 –
أ – يجوز لمجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية توسيع دائرة القيود والتدابير المنصوص عليها في المادة السابقة عند الاقتضاء بمرسوم يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له.
ب – ويجوز لهذا المجلس تضييق دائرة القيود والتدابير المشار إليها بحسب الحالة التي استدعت إعلان حالة الطوارئ.
المادة 6 – في المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ تحال إلى القضاء العسكري- مهما كانت صفة الفاعلين أو المحرضين أو المتدخلين- الجرائم الآتية:
أ – مخالفة الأوامر الصادرة عن الحاكم العرفي.
ب – الجرائم الواقعة على أمن الدولة والسلامة العامة (من المادة 260 حتى المادة 293 من قانون العقوبات)(1).
ج – الجرائم الواقعة على السلطة العامة (من المادة 369 حتى المادة 873).
د – الجرائم المخلة بالثقة العامة (من المادة 427 حتى المادة 459)(2).
هـ – الجرائم التي تشكل خطراً شاملاً (من المادة 573 حتى المادة 586).
المادة 7 – يجوز للحاكم العرفي أن يستثني من اختصاص القضاء العسكري بعض الجرائم المحددة في المادة السابقة.
المادة 8 – يفصل الحاكم العرفي بقرار مبرم في تنازع الاختصاص بين القضاء المدني والقضاء العسكري.
المادة 9 – الأحكام القاضية بالإعدام والتي تصبح مبرمة، لا تنفذ إلا إذا صادق عليها الحاكم العرفي بعد استطلاعه رأي لجنة العفو في وزارة العدل.
الفصل الثاني: إنهاء حالة الطوارئ
المادة 10 – يكون إنهاء حالة الطوارئ من قبل السلطة المختصة بإعلانها، ووفقاً للأحكام المنصوص عليها في المادة 2 من هذا المرسوم التشريعي.
المادة 11 – تستمر المحاكم العسكرية -بعد إنهاء حالة الطوارئ- على نظر القضايا الداخلة في اختصاصها سواء أكانت محالة إليها أم لم تكن.
الفصل الثالث: أحكام مؤقتة
المادة 12 – يلغى قانون حالة الطوارئ رقم 162 الصادر في 27/9/1958 وجميع تعديلاته.
المادة 13(3)
أ – في جميع الأحوال تبقى محاكم أمن الدولة المحدثة بالقانون رقم 162 المشار إليه مختصة بالنظر في الجرائم الداخلة في اختصاصها، المرتكبة قبل صدور هذا المرسوم التشريعي سواء أكانت محالة أم لم تكن، وتتبع بشأن التحقيق والإحالة والمحاكمة فيها وحفظها والتصديق على الأحكام الصادرة أو التي تصدر فيها وتعديلها نفس الأصول والإجراءات المتبعة بموجب هذا القانون.
كما يجوز لرئيس الجمهورية أو من يفوضه حفظ الدعوى أثناء النظر فيها من قبل المحكمة.
ب – تبقى الحراسة المفروضة على بعض الشركات والمؤسسات استناداً إلى القانون رقم 162 قائمة حتى يتم إلغاؤها بمرسوم متخذ في مجلس الوزراء.
ج – تعتبر حالة الطوارئ المعلنة استناداً إلى القانون رقم 162 قائمة حتى يتم إلغاؤها وفقاً لأحكام المادة العاشرة من هذا المرسوم التشريعي.
المادة 14 – ينشر هذا المرسوم ويعمل به من تاريخ صدوره.
التعليق
أُعلنت حالة الطوارئ في سورية بتاريخ 8/3/1963 بالأمر العسكري رقم 2، وهو أول يوم للانقلاب العسكري الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة. وسنناقش مدى مشروعية حالة الطوارئ المعلنة من الناحية الدستورية الشكلية ومن الناحية الموضوعية.
أولاً: عدم دستورية حالة الطوارئ في سورية من حيث الشكل:
تستند حالة الطوارئ المعلنة في سورية منذ 8/3/1963 أي منذ أكثر من ثمانية وثلاثين عاماً إلى المرسوم التشريعي 51 تاريخ 22/12/1962 إذ نصت الفقرة أ من المادة الثانية من هذا المرسوم على ما يلي:
(أ – تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتُخذ من مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له).
ولم يكن في سورية مجلس نواب حين صدر هذا الأمر، وعندما يكون مجلس النواب منحلاً أو ولايته منتهية يسترد هذا المجلس حقه بالمصادقة على إعلان حالة الطوارئ في أول جلسة يعقدها بعد انتخابه لأن تعبير (أول اجتماع) يشمل كل الحالات التي لم يكن فيها المجلس في حالة انعقاد لأي سبب كان، وهذا ما تقضي به جميع التشريعات المقارنة.
ولم يتعرض الدستور السوري النافذ حالياً والذي وُضع في عام 1973 لحالة الطوارئ إلا في المادة 11 التي نصها: (يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويلغيها على الوجه المبين في القانون).
والقانون المشار إليه في هذه المادة هو القانون رقم 2 تاريخ 22/12/1962 لأنه ما زال القانون النافذ، ولم يلغ ولم يعدل، وإن كانت أحكامه تتناقض مع مبادئ الدستور السوري ولا سيما مع المواد من 25 إلى 33 المتعلقة بالحريات العامة.
إلا أن المادة 153 من الدستور تغطي هذا القانون، وهي التي تنص على أن: (تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه).
إن مصادقة مجلس النواب أو مجلس الشعب من الشروط الجوهرية لنفاذ حالة الطوارئ، لتعلقها بإرادة الشعب والنظام العام والحريات العامة، وإذا علمنا أن حالة الطوارئ في سورية لم تُعرض على مجلس الشعب ولا على أي مجلس تشريعي منذ إعلانها، يتبيّن لنا أن حالة الطوارئ في سورية غير دستورية وكل التصرفات التي تمت على أساسها باطلة لمخالفتها الدستور والقانون.
لهذه الأسباب فإن حالة الطوارئ في سورية غير نافذة دستورياً، ما يستتبع عدم قانونية كل القرارات الصادرة بالاستناد إليها، ولا سيما أوامر اعتقال الأفراد ومصادرة الأموال، لأن ما بُني على باطل فهو باطل، وتدخل أوامر اعتقال الأفراد استناداً إلى حالة الطوارئ في جريمة حجز الحرية، وهي جريمة جنائية بنص المادة 556 من قانون العقوبات السوري، ويُعاقَب عليها بالأشغال الشاقة.
ونستشهد بأقوال مندوب الحكومة السورية أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومقرها جنيف.
فقد جاء في الفقرة 56 من محضر الجلسة رقم 160 تاريخ 3/8/1979: (ذكر المندوب السوري للجنة بأن حالة الطوارئ ملحوظة في سورية قبل توقيعها العهد الدولي بفترة طويلة، لأن سورية كانت محل عدوان صهيوني، وإن حالة الطوارئ في سورية خاضعة للمرسوم الصادر في 22/12/1962 الذي يحدد حالات إعلان الطوارئ).
ويتابع المندوب السوري حتى يقول في الفقرة 60 من نفس محضر الجلسة: (إن حالة الطوارئ تعلن بموجب قانون ينشر في الجريدة الرسمية. ومع ذلك، وخلافاً لمختلف الأنظمة السياسية السابقة لعام 1963 التي كانت مهددة دوماً بالانقلابات فإن الحكومة الحالية بفضل قاعدتها الشعبية وتنظيمها الحديث شعرت بأنها من القوة الكافية حتى لا تلجأ إلى إعلان الطوارئ).
وهذا الكلام يعني أن حالة الطوارئ في سورية غير معلنة دستورياً وإنما واقعياً، وهذا أدهى وأقسى، ونشير هنا إلى قول نفس مندوب الحكومة السورية في جلسة اللجنة رقم 158، أي قبل جلستين، وفي الفقرة 5 من محضر الجلسة يرد ما يلي: (في ما يتعلق بمسألة خرق العهد الدولي ولا سيما بقانون الطوارئ، سرد السيد الفتال تصريحاً لرئيس الجمهورية السورية أمام مجلس الشعب بأن ممارسة الحرية شيء هام جداً، وأن أي شخص لن يحاسب على آرائه أو معتقداته ضمن إطار الدستور والقانون، وأن قانون الطوارئ لن يطبق، من الآن فصاعداً إلا إذا كان أمن الدولة مهدداً. وأضـاف الفتال بأنه تبعاً لتصريحات رئيس الجمهورية وخطابه فإن قانون الطوارئ كان يطبق بصورة خارجة عن نصوصه، وأن الرئيس قد أعطى أوامره بمعالجة هذا الحالة).
إن مداخلة مندوب الحكومة السورية كافية لإثبات عدم دستورية حالة الطوارئ في سورية وإساءة استخدامها من قبل السلطات المسئولة عن الأمن والتي تأتمر بأوامر رئيس الجمهورية شخصياً.
وقد تعاظمت بصورة خطيرة إساءة استخدام حالة الطوارئ بعد خطاب رئيس الجمهورية في آذار 1978 ومداخلة مندوب الحكومة السورية أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وشهدت أعوام 1979 – 1980 وما تلاها أشكالاً من انتهاكات حقوق الإنسان مست الضمير الإنساني، وأهمها انتهاك الحق في الحياة بصورة جماعية.
ثانياً: الممارسات العملية لأجهزة الأمن استناداً لحالة الطوارئ تفتقر للمشروعية الموضوعية:
مع تمسكنا بعدم دستورية حالة الطوارئ تكون الممارسات التطبيقية في ظلها مخالفة للدستور ونصوص القانون الدولي.
وقد أجمع علماء القانون وفقهاؤه على أن حالة الطوارئ وضع قانوني استثنائي، ويجب تفسير القيود على حرية المواطنين في أضيق تفسير وفي أدنى الحدود. فلا يجوز أن يصبح قانون الطوارئ دستوراً أعلى من الدستور وقانوناً يتجاوز كل القوانين الأساسية في الدولة، فتختلط السلطات وتتركز جميعها من تشريعية وتنفيذية وقضائية في شخص الحاكم العرفي وهو رئيس الوزراء، أو نائب الحاكم العرفي وهو وزير الداخلية، اللذين يتلقيان الأوامر من رئيس الجمهورية.
وقد قاد الواقع الراهن لتطبيق قانون الطوارئ في سورية، ليس إلى تركيز السلطات بيد رئيس الوزراء أو وزير الداخلية فحسب، وإنما حوّل إدارة الحاكم العرفي إلى مؤسسة تشريعية سرية تأمر وتنهى خلافاً لأي تشريع أو حكم قضائي، ولا بد من أن نقدم بعض التفصيلات بغية أن تكون دراستنا موضوعية وواضحة.
فالملاحظ أن الجهة التي تأمر باعتقال المواطنين عملاً بالمادة 4 من قانون حالة الطوارئ هي الحاكم العرفي. وتنص المادة على أن للحاكم العرفي أو نائبه أن يصدر أوامر كتابية في توقيف المشتبه بهم توقيفاً احتياطياً. وتجعل هذه المادة أوامر التوقيف محصورة في الحاكم العرفي أو نائبه، ولكن التطبيق العملي يختلف عن ذلك، فأجهزة الأمن السورية السبعة عشر كل جهاز منها مخوّل بإصدار الأوامر باعتقال أي مواطن دون بيان الأسباب.
ولدى كل جهاز من هذه الأجهزة الأمنية أوراق مطبوعة بالأوامر العرفية فيها فراغ مكان اسم المطلوب اعتقاله وتاريخ اعتقاله وموقعة على بياض من قبل وزير الداخلية بصفته نائباً للحاكم العرفي، فإذا تم اعتقال المواطن فلن يصدر بحقه الأمر العرفي بالاعتقال إلا بعد التحقيق، وإذا مات تحت التعذيب تقوم الجهة الأمنية التي حققت معه بدفنه سراً وتنكر أنها اعتقلته أو أنها على علم به أو بمكان وجوده.
أما إذا انتهى التحقيق وبقي المواطن على قيد الحياة، فهي إما أن تطلق سراحه وإما أن ترسله إلى سجن تدمر. فإذا أفرجت عنه تصدر أمرين عرفيين الأول باعتقاله وتضع عليه تاريخاً قديماً هو تاريخ الاعتقال الحقيقي والثاني بالإفراج عنه وتضع عليه تاريخاً حديثاً هو يوم الإفراج عنه. وإذا قررت إرساله إلى السجن، ملأت الفراغات في الأمر العرفي الموجود لديها، والموقّع على بياض فكتبت اسمه وكتبت التاريخ الحقيقي ليوم اعتقاله.
وهناك حالة يكون فيها الشخص المطلوب من الأجهزة الأمنية متوارياً عن الأنظار، فيصدر بحقه أمر عرفي بالاعتقال يوزع على الأجهزة الأمنية الأخرى، وعلى الحدود السورية مع دول الجوار حتى لا يتمكن من الخروج من البلاد. وكل الأوامر العرفية المتضمنة اعتقال الأشخاص لا تتضمن مدة معينة للاعتقال، وهذا يفسر وجود أشخاص مضى على اعتقالهم أكثر من خمسة وعشرين عاماً في السجن دون محاكمة.
ثالثاً: الآثار القانونية للأوامر العرفية باعتقال المواطنين استناداً إلى حالة الطوارئ:
1 – انعدام ممارسة السلطة القضائية لأي صلاحية بصدد هذه الاعتقالات سواء أكان لجهة الأمر بالاعتقال أم تنفيذه، أو مسؤولية التحقيق مع المعتقل أو معاقبته أو الإفراج عنه. وهذا يخالف الفقرة 3 من المعاهدة الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها سورية واعتُبرت ضمن القانون الداخلي اعتباراً من 16/3/1976 بمقتضى المادة 49 من هذه الاتفاقية.
2 – حرمان المواطنين من ممارسة حقهم في الطلب من القضاء البت في شرعية توقيف أي شخص.
3 – حجب حق الدفاع عن المعتقل أو حقه في توكيل محام للتشاور معه، وبالتالي منع المحامين من التوكل أو الدفاع عن أي معتقل بأمر عرفي بزعم أن توقيفه ليس قضائياً. وإذا توكّل محام عن معتقل فلا يسمح له حتى بالمراجعة للاستفسار عن مصير موكله وهذا يخالف الفقرة ب من المادة 14 من المعاهدة المذكورة.
4 – عدم جواز الطعن بقرارات الحاكم العرفي المتضمنة اعتقال أي شخص أو مصادرة أمواله، أو التظلم من ذلك أمام أي مرجع قضائي، وهذا يتعارض مع الفقرة الأولى من المادة 14 من العهد الدولي المشار إليه.
5 – منع ذوي المعتقل من معرفة مكان اعتقاله أو التهمة الموجهة إليه وبالتالي عدم إمكان زيارته للتحقق ما إذا كان حياً أو ميتاً، وقد ترتب على ذلك أن معظم المعتقلين دون محاكمة في سورية في حكم المفقودين لأن مصيرهم مجهول.
6 – وقوع خلل في العلاقات الاجتماعية والقانونية بسبب طول فترة الاعتقال دون محاكمة، وعدم معرفة مصير المعتقل أو مكان وجوده، كالعلاقة الزوجية والإرث أو الشراكة أو الملكية وغيرها.
رابعاً: موقف المنظمات غير الحكومية الدولية والعربية والسورية من حالة الطوارئ:
لما كان المجال لا يتسع لعرض مواقف هذه المنظمات جميعاً من حالة الطوارئ في سورية فنكتفي بعرض موقف منظمة العفو الدولية وموقف نقابة المحامين السورية.
1 – منظمة العفو الدولية:
في شهر تشرين الثاني (أكتوبر) 1979 نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً بعنوان “سورية: عرض موجز” تضمن تفصيلاً لانتهاكات حقوق الإنسان في سورية جاء فيه:
(إن أهم ما يقلق المنظمة هو: استخدام تشريع الطوارئ في منع الحقوق السياسية وانتهاك حقوق الإنسان في الحياة والحرية، وانعدام الضمانات القانونية الأساسية، وعقد محاكمات سرية للسجناء السياسيين أمام محاكم أمن خاصة شكلت بمقتضى تشريع الطوارئ). واستمرت المنظمة منذ نشرت تقريرها في عام 1979 تتلقى أنباء الاعتقالات التعسفية والحبس الانفرادي وتعذيب المعتقلين وإجراء المحاكمات غير العادلة التي كانت تنتهي في أغلب الأحيان بالإعدام، وكذلك أنباء الاختفاء والقتل على أيدي سلطات ليس لها أي اختصاص قضائي، كما جاء في تقرير المنظمة عام 1983، وأضاف التقرير (تود منظمة العفو الدولية – بالنظر إلى حالة الطوارئ في سورية التي طالت مدتها – أن تذكر أن الإجراءات التي تتخذ وفقاً للمادة 4 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية بإعلان حالة الطوارئ هي إجراءات استثنائية مؤقتة ولا يجوز للحكومات أن تتحلل من الحقوق الأساسية وأهمها حق الإنسان في الحياة، وعدم حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي، وعدم إخضاع أي فرد للتعذيب أو العقوبة أو معاملته معاملة قاسية أو مهينة، وعدم جواز إدانة أحد بجريمة نتيجة فعل وامتناع عن فعل مما لا يشكل وقت ارتكابه جريمة جنائية بموجب القانون الوطني أو الدولي).
2 – موقف نقابة المحامين في سورية من حالة الطوارئ، وتضامن نقابتي المهندسين والأطباء معها:
بعد تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في سورية تحت ستار حالة الطوارئ في النصف الثاني من السبعينات تداعى المحامون لدراسة الممارسات القمعية التي ترتكبها أجهزة الأمن تحت مظلة إعلان حالة الطوارئ، وقد اجتمعت الهيئة العامة لفرع نقابة المحامين في دمشق وأصدرت القرار رقم 1 تاريخ 22/6/1978 الذي تضمن عشر فقرات هي:
1 – المطالبة برفع حالة الطوارئ المعلنة بالأمر العسكري رقم 3 تاريخ 8/3/1963 فوراً.
2 – السعي لتعديل قانون الطوارئ بحيث يقيد إعلان تلك الحالة بأضيق الحدود والقيود على أن تقصر مدتها بثلاثة أشهر قابلة للتمديد إلى مدة مماثلة بعد استفتاء الشعب مباشرة.
3 – اعتبار الأوامر العرفية الصادرة خلافاً لأحكام قانون الطوارئ، والتي أضحت شبه مؤسسة تشريعية سرية، معدومة انعداماً مطلقاً والطلب إلى الأساتذة المحامين والقضاة إهمالها وعدم التقيد بمضمونها وعدم المرافعة استناداً إليها ومقاطعتها مقاطعة تامة.
4 – اعتبار أي محام، ولا سيما محامي الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة وجهات القطاع العام، الذي يشير على تلك الجهات بالعمل والسعي لاستصدار أوامر عرفية بمصادرة أموال المواطنين والاستيلاء عليها، وحجز حريتهم وتجاوز الأحكام القضائية بل وتجاوز القضاء برمته، إنما يرتكب زلة مسلكية يجب مساءلته عليها أمام مجلس التأديب.
5 – السعي لإلغاء المحاكم الاستثنائية تحت أي تسمية كانت، وإحالة القضايا المعروضة عليها إلى المراجع المختصة في القضاء العادي.
6 – الطلب إلى الأساتذة المحامين عدم المثول والمرافعة أمام المحاكم الاستثنائية ومقاطعتها مقاطعة تامة.
7 – تحريم جميع صور الكبت والقهر والقمع والتعذيب الجسدي والنفسي المنافية للكرامة الإنسانية والوطنية، وتطبيق مبدأ سيادة القانون، واستغلال القضاء العادي وتمكينه من أداء واجباته بحرية تامة، وإنهاء كل حالات الاعتقال الكيفي وإطلاق سراح المعتقلين بسبب الرأي أو الفكر أو العقيدة وإحالتهم على القضاء العادي لمحاكمتهم محاكمة عادلة وعلنية يؤمن لهم فيها حق الدفاع وتحترم فيها حقوقهم الأساسية.
8 – التصدي لجميع أنواع الاعتقال والامتهان، وفرض العقوبة التي تمارسها جهات غير قضائية لا تخضع إجراءاتها لأي رقابة قانونية أو قضائية.
9 – اعتبار مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الدستور الأساسي للمواطن وتقديم أحكامه على أي نص تشريعي محلي مهما كان نوعه في حال تعارض أحكامهما.
10 – تأليف لجنة خاصة في فرع نقابة دمشق تكون مهمتها تنفيذ هذا القرار وذلك برصد جميع الأعمال التي تشكل تجاوزاً على حقوق المواطن وحريته.
وتقدمت نقابة المحامين بمذكرة إلى الحكومة السورية بتاريخ 17/8/1978 تضمنت المطالب الواردة في القرار المشار إليه.
ثم انعقد المؤتمر العام لنقابة المحامين بحلب بتاريخ 1/12/1978 وأكد القرار رقم 1 الصادر عن فرع النقابة بدمشق وتضامنت نقابتا الأطباء والمهندسين مع نقابة المحامين في مطالبها المشروعة.
ولم تستجب الحكومة السورية لها وإنما عمدت إلى حل مجالس نقابات المحامين والأطباء والمهندسين، واعتقلت أعضاءها وعينت بدلاً منها مجالس أخرى فرضتها بالقوة.
ثم أصدرت الحكومة السورية قوانين جديدة تنظم هذه النقابات بصورة مخالفة لإعلانات حقوق الإنسان واتفاقياتها، وأفقدت هذه النقابات استقلالها وجعلتها مرتبطة بحزب السلطة.
خامساً: إن حالة الطوارئ في سورية أصبحت وضعاً قانونياً دائماً ولم تعد حالة استثنائية:
لقد أعلنت حالة الطوارئ في سورية بالأمر العسكري رقم 2 تاريخ 8/3/1963 وقد مضى على إعلانها سبعة وثلاثون عاماً.
فالمواطن السوري الذي ولد عام 1950 كان عمره ثلاثة عشر عاماً ولم يبلغ سن الرشد يوم أعلنت حالة الطوارئ في بلده وأصبح عمره الآن خمسين عاماً، ولم يذق طعم الحرية ولم يشم رائحتها في بلده، لأن حالة الطوارئ ما زالت مستمرة، والخوف لم يفارقه لأنه في كل لحظة معرض للاعتقال بأمر عرفي لأمد غير محدود، دون أن يحق له الاعتراض على ذلك لأي جهة قضائية. ويقبض كثيً من ضباط الأمن الفاسدين رشوة من بعض المواطنين مقابل إصدار أمر عرفي ضدّ أحد خصومهم لاعتقاله مدة غير محددة، وقد تكون الخصومة بسبب خلاف تجاري أو مهني أو منافسة على أمر، وأراد أحدهم أن يزيل منافسه، إضافة إلى حرمان المواطن من حقوقه السياسية وحريته الشخصية والحد من حريته الفكرية وحرية اعتناق المبدأ والعقيدة.
لذلك أصبح واجب كل مواطن سوري مهما كان انتماؤه السياسي أن يسعى لإلغاء حالة الطوارئ في سورية، وإلغاء قانون الطوارئ الصادر بالمرسوم التشريعي 15 تاريخ 22/12/1962وإلغاء ما نجم عنهما من عدوان على حقوق الإنسان السوري على مدى أكثر من ثمانية وثلاثين عاماً.
(1) معدلة بالمرسوم التشريعي رقم 1 تاريخ 9/3/1969
(2) الأمر العرفي رقم 16 بتاريخ 17 حزيران 1996 يعدل هذه المادة ويحيل الجرائم الواردة تحت مادتي 314 ، 318 إلى المحاكم المدنية المختصة.
(3) الأمر العرفي رقم 31 بتاريخ أول آب 1995 يعدل هذه المادة ويحيل الجرائم الواردة إلى المحاكم المدنية المختصة.
ينص قانون حماية الثورة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 6 بتاريخ 7/1/1965 في المادة (4) الفقرة (أ) على ما يلي:
يعاقب مرتكبو الأفعال المنصوص عليها بالفقرات (أ – د) من المادة السابقة بالأشغال الشاقة المؤبدة ويجوز الحكم بالعقوبة الأكثر تشدداً.
أما الأفعال المنصوص عليها بالفقرة (أ) من المادة السابقة وهي المادة (3) من هذا القانون والتي يعاقب مرتكبها بالأشغال الشاقة المؤبدة والأكثر تشدداً وهي الإعدام فهذا نصها:
(الأفعال التي تعتبر مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي في الدولة سواء أوقعت بالفعل أم بالقول، أم بالكتابة، أو بأي وسيلة من وسائل التعبير أو النشر).
وبذلك فإن هذا القانون يلغي حق الإنسان السوري في حرية الرأي والتعبير.
أولاً: أهمية حرية الرأي والتعبير التي ألغاها هذا القانون
إن الفكر باطني ينحصر في داخل النفس، وينطوي في السريرة، فإذا انطلق من الباطن إلى الظاهر وأعلن للناس تصريحاً، أو دلالة، كان أثره أبلغ، وأفقه أوسع، فالتعبير الخارجي عن الفكر الباطني يسمى بإبداء الرأي، والتاريخ حافل بجهاد العلماء والفلاسفة ورجال السياسة في كل جيل في المطالبة بحرية الرأي، وبتحملهم الاضطهاد في سبيل السعي لتثبيتها في الأنظمة والقوانين والدساتير.
فقد انتقدوا الأحكام التي قيدتها، والحكام الذين عارضوها وتغنوا بها في اجتماعاتهم وأنديتهم وكتاباتهم. فقد قال فولتير: (إني أستنكر ما تقوله ولكني أدافع حتى الموت عن حقك في قوله). هذا لأن حرية إبداء الرأي متمم لحرية الفكر، والضمير، والعقيدة، فهذه تبقى ناقصة إذا لم يتمكن المرء من التعبير عن أفكاره وآرائه، سواء أكان ذلك في أحاديثه في مجالسه الخاصة، أم في خطبه في الأندية والمجالس العامة، أم في مذكراته ومقالاته. وبهذا المعنى أصبحت حرية الرأي والتعبير مقدسة ومكرسة في جميع الدساتير وإعلانات الحريات الأساسية الداخلية منها والخارجية، والمعاهدات الدولية.
فالمادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على أن (لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير التي تنطوي على حقه في عدم إزعاجه بسبب آرائه ودون اعتبار الحدود الجغرافية في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت من وسائل التعبير) وإن هذه العبارة قد تبنتها نفس المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مع توضيح تقييدها بحقوق الغير وسمعتهم.
ولقد أقر الشرع الإسلامي حرية الرأي كنتيجة لحرية الفكر، واعتبر حرية الرأي والتعبير واجباً إذا كانت من نوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبقصد المجاهرة بالحق والمطالبة بالعدل، فقد جاء في الآية 104 من سورة آل عمران (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). وفي الحديث الشريف الذي رواه الإمامان أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر). وروي عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة اعترضت على اجتهاده في مسألة المهور فوافق على صحة اعتراضها علناً بقوله: (أصابت المرأة وأخطأ عمر).
ثانياً: ما هي الوقائع التي تعتبر مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي والتي يحكم على مرتكب أي منها بوضعه في سجن الأشغال الشاقة مؤبداً وقد تصل إلى الإعدام إذا رافقت ذلك ظروف مشددة؟
إن كل قول أو فعل أو نشرة أو حديث يخالف آراء الحزب الحاكم، وينتقده ويبين خطأه يشكل جريمة (مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي). وقد اجتهدت محكمة أمن الدولة في سورية واعتبرت أن الدعوة لاحترام حقوق الإنسان والنقد الموجه لانتهاكات هذه الحقوق يشكل جريمة (مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي) وحكمت على دعاة حقوق الإنسان بالأعمال الشاقة لمدد تتراوح بين خمس سنوات وعشر سنوات.
ففي عام 1992 تم اعتقال خمسين شخصاً لهم صلة بلجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية، وحقوق الإنسان في سورية، وقد أحيل سبعة عشر شخصاً منهم إلى محكمة أمن الدولة وأجريت لهم المحاكمة سراً في الجانب الأعظم منها، وذلك بين 29 شباط و17 آذار 1992 وقد منع المحامون من التشاور مع المتهمين وكانت الأدلة بياناً أصدرته لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وقد صدر البيان من صفحتين وكان عنوانه: (سنتان على طريق الديمقراطية وتحرير حقوق الإنسان) انتقد سجل الحكومة السورية في مجال حقوق الإنسان، والأسلوب الذي أجري فيه الاستفتاء على إعادة انتخاب الرئيس حافظ أسد.
وتضمن البيان الاتهامات التالية للحكومة السورية:
1- إجبار الناس على المشاركة في الاستفتاء. فقد أجبرت قرىً كاملة على السفر مشياً على الأقدام لمسافات طويلة إلى أقرب المدن للإدلاء بأصواتها.
2- أجبر المواطنون على ترديد الشعارات المؤيدة للرئيس حافظ أسد.
3- تم إجبار التجار على تسديد تكاليف الزينات التي أقيمت بمناسبة انتخاب الرئيس.
4- طالب البيان بالوقف الفوري لعمليات الاحتجاز التعسفي، وبالإفراج عن جميع السجناء السياسيين.
5- طالب البيان بوضع ضمانات يعول عليها من أجل عودة المواطنين المهجرين قسراً من منفاهم الإجباري.
6- طالب البيان برفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية، وإعادة الحكم الدستوري.
7- كما طالب بسن قانون يسمح بعمل أحزاب المعارضة والسماح قانوناً بعمل لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقد صدر حكم المحكمة في 17 آذار 1992 وتضمن ما يلي:
أولاً: برأت المحكمة ساحة سبعة أشخاص من المتهمين السبعة عشر.
ثانياً: وعملاً بأحكام الفقرة “أ” من المادة 4 من قانون حماية الثورة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 6 تاريخ 7/1/1965 وبدلالة الفقرة “أ” من المادة 3 من هذا القانون وبعد استعمال الأسباب المخففة التقديرية جرمت عشرة أشخاص منهم، وحكمت بوضع سبعة منهم في سجن الأشغال الشاقة لمدد تتراوح ما بين خمس سنوات وعشر سنوات وهم السادة: أكثم نعيسة، سامر نعيسة، محمد علي حبيب، أمجد بحبوحة، حسن فارعة، عفيف مظهر، محمود أبو حمد.
وحكمت على ثلاثة منهم بوضعهم في سجن الأشغال الشاقة ثلاث سنوات لأنه لم يثبت عليهم سوى علمهم بالبيان الصادر عن لجان الدفاع المذكورة وقراءته وعدم إبلاغ السلطات عنه واعتبار ذلك كتماً للمعلومات وعدم التبليغ عن جريمة اطلعوا عليها.
إن وجود هذا القانون النافذ في سورية في بداية الألفية الثالثة يعتبر نكسة للمبادئ الإنسانية وعودة ألفي سنة إلى الوراء إلى عصور الظلام والطغيان، والضلالة، والجهالة، وخروجاً عن مبادئ الأمم المتحدة وخرق للمعاهدات الدولية وخاصة المعاهدة المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها الحكومة السورية واعتبرتها جزءاً من التشريع الداخلي بل هي متقدمة عليه، وانتهاكاً لحقوق الإنسان الذي ينادي العالم كله باحترامه.
لذلك فإن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تناشد المجتمع الدولي وخاصة منظمات حقوق الإنسان في العالم بالتحرك لرفع الظلم عن الشعب السوري الذي ينتهك هذا القانون حقه في حرية الفكر والرأي، والطلب إلى الحكومة السورية إلغاء القوانين القمعية التي تؤذي الضمير الإنساني والمجتمع الدولي كالقانون 49 الصادر في 7/7/1980 وإلغاء حالة الطوارئ المعلنة بالأمر العسكري رقم 2 تاريخ 8/3/1963 والتي ما زالت قائمة في سورية منذ أكثر من ثمانية وثلاثين عاماً، وتعديل قانون الطوارئ رقم 15 المؤرخ في 22/12/1962 بما ينسجم مع أنظمة الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان وإلغاء المادة 16 من القانون 14 المؤرخ في 25/1/1969 والمادة 74 من القانون 549 تاريخ 25/5/1969، واللتين تحجبان عن القضاء حقه في ملاحقة رجال الأمن عن الجرائم التي يرتكبونها ضد المواطنين أثناء ممارستهم لوظائفهم أو بسببها، وإلغاء القانون رقم 16 تاريخ 1/1/1965 المسمى بقانون حماية الثورة والمشار إليه أعلاه.
ينتهك هذان القانونان حقوق المواطن السوري، بحرمانه من حق اللجوء إلى القضاء، للادعاء على أي رجل أمن ارتكب جريمة بحقه، إذا كانت هذه الجريمة قد ارتكبت بسبب ممارسة رجل الأمن لوظيفته، أو أثناء ممارسته لها.
لقد تجاوزت البشرية الألف الثاني للميلاد، وتطورت وسائل الاتصال المرئي، والمسموع، والمكتوب، تطوراً هائلاً، وبفضل الانطلاقة العظيمة التي شهدتها العلوم، والتقنيات، وفي عصر (الإنترنت) أصبحت وسائل الاتصال الجماهيرية تتيح لكل الشعوب إمكانية عيش الأحداث ذاتها في وقت واحد، وتتبادل المعلومات باستمرار، وتفهم بعضها بعضاً بشكل أفضل. وفي الوقت ذاته، فإن هذه الوسائل قد أحدثت تحولاً عميقاً في الاتصال الاجتماعي داخل كل أمة، وفتحت آفاقاً جديدة في نقل المعارف، وإثراء الحياة الثقافية، وتوسيع آفاقها على مستوى أبعاد المجتمع الدولي، ومع كل هذا التطور لوسائل الاتصال، فإن انتهاكات حقوق الإنسان ما زالت مستمرة وصارخة في العديد من بلاد العالم.
ورغم أن المنشور السرّي الذي كان يوزّعه المعارضون لنشر أفكارهم في البلاد التي حُرمت من حقها في حرية الرأي، يعرّض حياة من يوزّعه إلى الخطر إذا أمسك به رجال الأمن، أصبح الآن عن طريق وسائل الاتصال الحديثة يصل بأمان إلى المواطنين في مساكنهم ومكاتبهم مع الصورة والصوت.
ورغم أن كل مخبوء قد ظهر، وأن سيطرة الأنظمة الشمولية، على وسائل الإعلام داخل الدولة، فقدت مبرراتها بعد أن أصبح بوسع المواطنين أن يحصلوا على المعلومات من خارج دولتهم بيسر وسهولة، فالمحطات الفضائية والفاكس والإنترنت، جعلت المواطن يكتشف خداع وسائل الإعلام في تلك الأنظمة، ولكن.. وبرغم ذلك، ما زالت تلك الأنظمة تحتفظ لديها بقوانين سريّة غير منشورة في الجريدة الرسمية، خوفاً من الفضيحة أمام الرأي العام الداخلي والدولي، وتنتهك بهذه القوانين حقوق الإنسان في الحياة، والحرية، وتحجب بموجب هذه القوانين حق السلطة القضائية من معاقبة العاملين في دوائر الأمن على الجرائم التي ارتكبوها أثناء ممارستهم لوظائفهم، أو بسببها، من تعذيب للمواطنين، وحجز حريتهم، وإزهاق أرواحهم، وحرمانهم من حق الحياة، وتسلب حق المواطنين من اللجوء إلى القضاء لوقف الاعتداء عليه، ومعاقبة المعتدي، إذا كان المتهم من رجال الأمن.
وفيما يلي النص الحرفي للمادة 16 والمادة 30 من قانون “إحداث إدارة أمن الدولة” الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 14 تاريخ 25 / 1 / 1969، والمادة 74 والمادة 101 من قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة، وقواعد خدمة العاملين فيها، الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 549 تاريخ 25 / 5 / 1969:
أولاً: المادتان 16 و30 من المرسوم التشريعي 14 تاريخ 25 / 1 / 1969:
المادة 16 – لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير.
المادة 30 – لا ينشر هذا المرسوم ويعمل به اعتباراً من تاريخ صدوره.
ثانياً: المادتان 74 و101 من المرسوم التشريعي 549 تاريخ 25 / 5 / 1969
المادة 74 – لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة أو المنتدبين أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها مباشرة أمام القضاء، في الجرائم الناشئة عن الوظيفة، أو في معرض قيامه بها قبل إحالته على مجلس التأديب في الإدارة واستصدار أمر ملاحقة من قبل المدير.
المادة 101 – لا ينشر هذا المرسوم ويعتبر نافذاً من تاريخ نفاذ المرسوم 14 تاريخ 15 / 1 / 1969.
ولما كانت النيابة العامة تختصّ بإقامة دعوى الحق العام ومباشرتها ضد مرتكبي الجرائم، فإن قانون أصول المحاكمات الجزائية قد نص على أن النيابة العامة تجبر على إقامة الدعوى، إذا أقام المتضرر نفسه مدعياً شخصياً وذلك مهما كانت صفة المدعى عليه، ولا يوجد استثناء إلا في شخص رئيس الدولة، إذ إن الدساتير قد نصّت على أصول خاصة في ملاحقته، إذا ارتكب جريمة إلا أن القانونين المشار إليهما أعلاه قد منعا النيابة العامة من إقامة الدعوى على أفراد قوات الأمن، ولو أقام المتضرر نفسه مدعياً شخصياً.
وبذلك فقد أعطى هذان القانونان امتيازات لرجال الأمن، هدمت مبدأ المساواة أمام القانون، هذا المبدأ الذي جاهدت البشرية للحصول عليه منذ فجر التاريخ وحتى العصر الحديث.
أولاً: المساواة أمام القانون
إن من مقومات مبدأ المساواة أمام القانون، المساواة في حماية القانون وهذه تعني أن الناس جميعاً متساوون في التمتع بالضمانات القانونية الكاملة، لا سيما في حق التقاضي أمام المراجع القضائية، وحق الاستعانة بالمراجع الإدارية، وحق التظلم أمام السلطات العليا المختصة، وحق الاستفادة من سائر وسائل الحماية القانونية.
إن الذي يتنافى مع هذه المساواة في الحماية القانونية هو وجود امتيازات قضائية خاصة ممنوحة لفئة من الناس أو الموظفين والتي لا تبررها اعتبارات مستمدة من الحريات السياسية.
وإن أبلغ من عبّر عن معنى هذه المساواة هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “إنما أهلك من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، فوالله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.
إن المساواة من الكلمات التي استهوت الشعوب والجماهير الذين لا تزال تهزّ مشاعرهم، وتحرّك نفوسهم في جميع نواحي الحياة، وهي من الكلمات التي استعملها الزعماء والقادة والمصلحون، والتي ملأت أسفار الفلاسفة والعلماء، وشغلت أحداث التاريخ في فصوله المختلفة، فكانت وما زالت محوراً للنظريات والحركات، وحافزاً للنهضات، وذلك بسبب اضطهاد الحريات، واغتصاب السلطة.
وقد كانت المساواة أمام القانون من أقدم حقوق الإنسان التي أقرّتها المواثيق الدستورية القديمة والحديثة.
وإن أهم المواثيق الحديثة التي أكدت على المساواة، ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 والعهدان الدوليان لحقوق الإنسان عام 1966.
ثانياً: الجرائم التي يرتكبها رجال الأمن والتي اقتضت إصدار هذين القانونين لحمايتهم
إن المهمة الأساسية لرجال الأمن لدى الحكومات القمعية هي ملاحقة المعارضة الوطنية، واعتقالها، والتحقيق معها، وإيداعها السجن، بسبب أفكارها، وآرائها، ومطالبتها بالحرية والمساواة، واحترام مبادئ حقوق الإنسان، فالقانون قد رسم الطرق والأساليب القانونية للاعتقال والتحقيق والتوقيف، ونصّ على عقوبات لمن يتجاوز هذه الأساليب.
فالتوقيف يجب أن يكون بموجب مذكرة قضائية صادرة عن الجهة القضائية المختصة، ويجب أن يحال الموقوف إلى القضاء خلال أربع وعشرين ساعة من توقيفه، وإلا فإن التوقيف يعتبر جرم حجز الحرية. وللتحقيق أساليب علمية وقانونية بعيدة عن استعمال العنف والتعذيب المادي والمعنوي، فالمادة 555 من قانون العقوبات السوري تنص على ما يلي:
1 – مَنْ حَرَمَ آخَرَ حرّيتَه الشخصيةَ بأية وسيلة كانت، عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة.
2 – تُخَفَّضُ العقوبةُ عن المجرم إذا أطلق عفواً سراح الشخص خلال ثمان وأربعين ساعة دون أن يرتكب به جريمة أخرى جنائية كانت أو جنحة.
والمادة 556 من القانون نفسه، نصّت على ما يلي: يقضى على المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة:
أ – إذا جاوزت مدة حرمان الحرية الشخصية الشهر.
ب – إذا أُنزل بمن حُرِمَ حريته تعذيب جسدي أو معنوي.
أما التعذيب واستعمال الشدة أثناء التحقيق لانتزاع المعلومات، فكان قانون العقوبات السوري واضحاً جداً، فقد نصت المادة 391 من قانون العقوبات السوري على ما يلي:
“من سام شخصاً ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون، رغبة منه في الحصول على إقرار عن جريمة، أو على معلومات بشأنها، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وإذا أفضت أعمال العنف إلى مرض أو جراح كان أدنى العقوبات: الحبس سنة”.
إن الجرائم التي يرتكبها رجال الأمن أثناء ممارستهم لوظيفتهم أو بسببها هي:
1 – استعمال الشدة والتعذيب الجسدي والمعنوي للحصول على إقرار بجريمة أو الحصول على معلومات بشأنها.
إن التعذيب في سورية كما ذكرت منظمة العفو الدولية “هو عملية متكررة ومنظمة يقاسيها السجناء السياسيون في البلاد، وكل من يبدي معارضة للحكومة يتعرض لخطر الاعتقال والتعذيب”. وليس التعذيب على أيدي رجال الأمن في سورية هو فقط لانتزاع المعلومات من المعتقلين، وإنما المعتقلون الذين انتهى التحقيق معهم وأودعوا السجون يتعرضون للتعذيب اليومي المبرمج كجزء من العقوبة، ولما كان التعذيب على أيدي رجال الأمن في سورية ليس هو موضوعنا الرئيس، فإننا سنكتفي بما أوردناه عنه، ومن أراد أن يتوسع في الاطلاع عليه فليراجع تقرير منظمة العفو الدولية الذي عنوانه “التعذيب على أيدي أجهزة الأمن في سورية تاريخ تشرين الأول (أكتوبر) 1987”.
2 – التوقيف وحجز الحرية إلى آماد غير محددة قد تستغرق عشرات السنوات بدون عرض الموقوف على القضاء.
ونتيجة للحصانة التي يتمتع بها رجال الأمن من المساءلة عن الجرائم التي يرتكبونها ازدادت حالات الاعتقال التعسفي، وإنكار حقوق المعتقلين.
ولا يمكن عملياً تحديد الجهة التي تأمر باعتقال المواطن، لأن ذلك مرتبط بتعدد الأجهزة الأمنية التي قيل إن عددها سبعة عشر جهازاً، منها:
1 – المخابرات العسكرية.
2 – مخابرات القوى الجوية.
3 – مخابرات رئاسة الجمهورية.
4 – الأمن السياسي.
5 – مخابرات الوحدات الخاصة.
6 – جهاز أمن الجامعات.
7 – المخابرات العامة.
8 – المخابرات الخارجية.
9 – فرع فلسطين.
ولكل جهاز من هذه الأجهزة عشرات الفروع في العاصمة والمحافظات والأرياف. وكل جهاز من أجهزة الأمن مخوّل بإصدار أوامر الاعتقال دون بيان الأسباب، وتصدر أوامر الاعتقال، إما شفهياً من قبل المسؤول عن الجهاز الأمني، أو برقياً، أو هاتفياً، أو خطياً، وينفذ أمر الاعتقال من قبل عناصر الجهة الأمنية التي أصدرته، دون أن تطلع الأجهزة الأخرى على ذلك.. أي ليس هناك مركزية، لأن الحاكم العرفي منح الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة، وخوّلها بالاعتقال بصورة مطلقة، وتعتبر دائرة نائب الحاكم العرفي في وزارة الداخلية المرجع الإداري وهذا يخالف نص المادة الرابعة من قانون الطوارئ التي تشترط صدور أمر كتابي بأي إجراء يتخذ من السلطة العرفية.
ولا يعلم ذوو المعتقل مكان اعتقاله، أو الجهة التي أمرت باعتقاله، أو أسباب اعتقاله.
ثالثاً: انتهاك هذين القانونين لحقوق الإنسان وللدستور السوري
1 – نصت المادة الثامنة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على حقوقه الأساسية”.
كما نصّت المادة العاشرة من الإعلان “لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة، نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته، وأية تهمة توجه إليه”.
2 – نصّت المادة الثالثة من المعاهدة الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي:
“تتعهد كل دولة طرف في هذه المعاهدة: أن تكفل لكل شخص التعويض المناسب في حالة وقوع أي اعتداء على الحقوق والحريات المقررة في هذه الاتفاقية، حتى ولو ارتكب هذا الاعتداء من أشخاص يعملون بصفة رسمية”.
كما نصّت المادة 14 من المعاهدة المذكورة “أن جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء”.
3 – لقد نصّت الفقرة الثالثة من المادة 25 من الدستور السوري “المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.”
ومن ذلك يتبيّن أن وجود امتيازات قضائية خاصة ممنوحة لرجال الأمن تحصنهم من الملاحقة القضائية عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء ممارستهم لوظيفتهم أو بسببها، إنما هو:
– انتهاك لحقوق الإنسان في المساواة أمام القانون.
– وخرق للمعاهدات الدولية، وخاصة المتعلقة بحقوق الإنسان.
– واعتداء على الدستور السوري.
لذلك فإن اللجنة السورية لحقوق الإنسان تطلب من المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان، أن تطالب الحكومة السورية بإلغاء المواد المشار إليها من القانونين المذكورين، واعتبارهما كأن لم تكونا، وإعطاء الحق لكل متضرر من الجرائم التي ارتكبتها عناصر الأمن في سورية بأن يلجؤوا إلى القضاء العادي غير الاستثنائي لمقاضاة أولئك العناصر.
نص القانون 49 الذي أقره مجلس الشعب السوري في جلسة 7 تموز 1980
“المادة 1 – يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
المادة 2 –
أ- يعفى من العقوبة الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، كل منتسب إلى هذه الجماعة، إذا أعلن انسحابه منها خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب- يتم إعلان الانسحاب بموجب تصريح خطي يقدم شخصياً إلى المحافظ أو السفير لمن هم خارج القطر بتاريخ صدور هذا القانون.
المادة 3 – تخفض عقوبة الجرائم الجنائية التي ارتكبها المنتسب إلى تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، قبل نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر وخلال شهرين لمن هم خارجه وفقاً لما يلي:
أ- إذا كان الفعل يوجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد، كانت العقوبة الأشغال الشاقة خمس سنوات على الأكثر.
ب- إذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كانت العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
المادة 4 – يعفى من عقوبة الجرائم الجنوحية المرتكبة قبل نفاذ هذا القانون، تحقيقاً لأهداف تنظيم جماعة الإخوان المسلمين كل منتسب إلى هذه الجماعة إذا سلم نفسه خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر وخلال شهرين لمن هم خارجه.
المادة 5 – لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف أو المحاكمة.
المادة 6 – ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره
رئيس مجلس الشعب/ محمود حديد”
بطلان القانون 49 لأنه يتعارض مع أحكام الدستور السوري
يتعارض القانون 49 مع أحكام الدستور السوري ويتعارض مع العهد الدولي الموقع من قبل الحكومة السورية والمتعلق بالحقوق المدنية والسياسية
أولاً: تعارض أحكام القانون 49 تاريخ 7/7/1980 مع أحكام الدستور السوري:
1- نصت المادة 28 من الدستور السوري على أن كل مواطن بريء حتى يدان بحكم قضائي بينما نصت المادة الأولى من القانون 49 على أن كل منتسب للإخوان المسلمين يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام.
وجاءت العبارة على كل منتسب وليس على من ينتسب بعد هذا التاريخ.
ولما كان تنظيم الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي مشروع في سورية منذ عام 1945 فارض وجوده على الساحة السورية ومشارك في الحياة السياسية والاجتماعية وكان له نواب في البرلمان وأعضاء في الوزارة كما كان لهذا التنظيم مساهمات ثقافية بارزة إذ أسس المدارس الخاصة وعمل على محو الأمية في المدارس الليلية التي افتتحها في طول البلاد وعرضها فعلّم آلاف الأميين، وكثير منهم حصلوا على شهادة الدراسة الثانوية وأكملوا تعليمهم في الجامعات وانتسب إلى تنظيمهم عشرات الألوف من المواطنين من كافة طبقات الشعب من محامين ومهندسين وأطباء وصيادلة ومدرسين وأساتذة جامعة وطلاب وعمال وفلاحين. حتى فاز أعضاء هذا التنظيم في انتخابات نقابات المهن العلمية بأكثرية المقاعد، وكان هذا النشاط شرعياً باعتباره تنظيماً مرخصاً من قبل الدولة.
إن القانون 49 اعتبر جميع هؤلاء مجرمين يجب أن يحكم عليهم بالإعدام، وإذا كانت الفقرة أ من المادة الثانية قد أعفت من العقوبة كل منتسب لهذه الجماعة إذا أعلن انسحابه منها خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون فإن المادة الخامسة منه قد عطلت أحكام هذه الفقرة فقد نصت على أن لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف أو المحاكمة، ومعروف أن هذا القانون صدر في 7 تموز 1980 وأن حملة الاعتقالات والإبادة الجماعية لأفراد تنظيم الإخوان المسلمين قد بدأت منذ عام 1979 وكأن هذا القانون قد صدر ليغطّي على الجرائم التي ارتكبها النظام من قتل جماعي لهم، والمداهمات، ونسوق مثلاً على الإعدامات التي تمت قبل تاريخ القانون:
تمّ إعدام خمسة عشر معتقلاً من قيادات الإخوان المسلمين في سجن القلعة بتاريخ 26/6/1979 بدون أيّ دليل لإدانتهم سوى انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين وهم: الدكتور حسين خلوف، الدكتور مصطفى الأعوج.
ويوم صدور هذا القانون كان يوجد في سجون النظام عشرات الألوف من المعتقلين من تنظيم الإخوان المسلمين.
2- نصت المادة 30 من الدستور السوري على ما يلي: لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يكون لها أثر رجعي ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك، بينما أعطي القانون 49 أثراً رجعياً وهو يطبق على أعمال وقعت قبل تاريخ العمل به.
ثانياً: معارضة القانون 49 لأحكام المعاهدة الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والتي وقّعت عليها الحكومة السورية:
إن المادة 2 من المعاهدة الدولية تنص على أن كل دولة طرف في هذه المعاهدة يجب أن تعدل كل قانون لا يتفق مع نصوصها. وإن المادة 19 من العهد الدولي تنص على حق كل إنسان في اعتناق آراء دون مضايقة وحقه في حرية التعبير.
كما أن المادة 15 من المعاهدة الدولية تنص على أن: لا يدان فرد بجريمة بسبب فعل أو امتناع فعل لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة.
ما هي الجهة القضائية التي تقوم بمحاكمة تنظيم الإخوان المسلمين طبقاً للقانون (49) 7/8/1981؟
من مراجعة قيود سجلات النيابة العامة المدنية والعسكرية في سورية لم نعثر على قيد واحد لقضية وضعت النيابة العامة يدها عليها تطبيقاً للقانون المذكور، كما أن الحكومة السورية لم تعلن عن أسماء الأشخاص الذين حوكموا وصدرت بحقهم أحكام الإعدام تطبيقاً لهذا القانون.
ولما قام بعض علماء سورية بزيارة الرئيس حافظ الأسد مصطحبين معهم آباء المعتقلين ليطمئنوا على أبنائهم وذلك على خلفية مجزرة سجن تدمر التي ذهب ضحيتها قرابة ألف سجين ولم تعلن أسماء الضحايا، فقال لهم الرئيس حافظ الأسد: (لقد عقدت في تدمر محاكم ميدانية لتقوم بعملها) ولم يعط أي إيضاح آخر.
فما هي المحاكم الميدانية؟ ومن هم قضاتها؟ وهل محاكماتها سرية أم علنية؟ وما هي الأصول المتبعة في إجراءاتها؟ وهل يحق للمتهم الاستعانة بمحام للدفاع عنه؟ وهل أحكامها قابلة للطعن بالاستئناف أو التمييز؟
لا بد لنا من الرجوع إلى قانون المحاكم الميدانية لمعرفة ذلك.
وفيما يلي نصّ المرسوم التشريعي الذي قضى بإحداثها:
“إحداث محاكم الميدان العسكري
المرسوم التشريعي رقم 109 تاريخ 17/8/1967
رئيس الدولة
بناء على أحكام قرار القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي رقم 2 تاريخ 25/2/1966 وعلى قرار مجلس الوزراء رقم 109 تاريخ 14/8/1967 يرسم ما يلي:
مادة 1 – تحدث محكمة أو أكثر: تسمى محكمة الميدان العسكري.
تتولى هذه المحكمة النظر في الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العسكرية والمرتكبة زمن الحرب أو خلال العمليات الحربية التي يقرر وزير الدفاع إحالتها إليها.
يسري اختصاص هذه المحكمة اعتباراً من 5/6/1967.
مادة 2 – يقصد في هذا المرسوم التشريعي ما يلي:
أ – زمن الحرب: هو المدة التي تقع فيها اشتباكات مسلحة بين الجمهورية العربية السورية وبين العدو ويحدد بدؤها وانتهاؤها بمرسوم.
ب – العمليات الحربية: الأعمال والحركات التي يقوم بها الجيش أو بعض وحداته في الحرب أو عند وقوع اصطدام مسلح مع العدو.
مادة 3 – تؤلف المحكمة بقرار من وزير الدفاع من رئيس وعضوين، ولا تقل رتبة الرئيس عن رائد، كما لا تقل رتبة كل من العضوين عن نقيب، ولا يجوز محاكمة أحد ضباط القوات المسلحة أمام محكمة يكون رئيسها أدنى منه رتبة.
مادة 4 –
أ- يقوم بوظائف النيابة العامة لدى المحكمة قاض أو أكثر من النيابة العامة العسكرية تجري تسميتهم بقرار من وزير الدفاع.
ب- تتمتع النيابة العامة لدى المحكمة بجميع السلطات والصلاحيات الممنوحة للنائب العام وقاضي التحقيق العسكريين.
ج- تصدر قرارات النيابة العامة قطعية لا تقبل أي طريق من طرق الطعن.
مادة 5 – يجوز للمحكمة ألا تتقيد بالأصول والإجراءات المنصوص عليها في التشريعات النافذة.
مادة 6 – تطبق المحكمة العقوبات المقررة قانوناً ولا تقبل الأحكام التي تصدرها أي طريق من طرق الطعن.
مادة 7 – لا تنفذ أحكام محكمة الميدان إلا بعد التصديق عليها من السلطة المختصة، وتنفذ وفقاً للتشريعات المرعية.
مادة 8 –
أ- تخضع أحكام الإعدام لتصديق رئيس الدولة، أما باقي الأحكام يجري تصديقها من وزير الدفاع.
ب- لرئيس الدولة ووزير الدفاع كل بحسب اختصاصه أن يخفف العقوبة أو يستبدل بها عقوبة أخرى، أو يلغيها كلها مع حفظ الدعوى. ويكون لحفظ الدعوى مفعول العفو العام كما يجوز له أن يأمر بإعادة المحاكمة أمام محكمة ميدان عسكرية أخرى، ويجب أن يصدر القرار في هذه الحالة معللاً، وإذا صدر الحكم في المحاكمة الثانية بالبراءة وجب التصديق عليه في جميع الأحوال، وينفذ فوراً.
ج- لوزير الدفاع ضمن اختصاصه أن يوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها، وفي هذه الحالة تطبق قواعد وقف تنفيذ الأحكام المنصوص عليها في قانون العقوبات العام.
د- لرئيس الدولة أو وزير الدفاع كل بحسب اختصاصه بعد التصديق على الأحكام بالإدانة أن يمارس الصلاحيات المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين.
مادة 9 – ينشر هذا المرسوم التشريعي في الجريدة الرسمية.
دمشق في 23/ 5/ 1388 و17/ 8/ 1968
رئيس الدولة
الدكتور نور الدين الأتاسي”
ومن قراءة لقانون محاكم الميدان العسكرية يتبيّن أن هذه المحاكم استثنائية، ليس لها اختصاص إلا في زمن الحرب، وبالمدة التي تقع فيها اشتباكات مع العدو، وأن قضاتها من العسكريين وليسوا من الحقوقيين، ولا يوجد نص في قانونها يلزمها بالعلنية في محاكماتها، ولا تلتزم باتباع الأصول والإجراءات المنصوص عليها في التشريعات النافذة، ولا يحق للمتهم الاستعانة بمحام للدفاع عنها، وأحكامها قطعية غير قابلة للطعن.
ولما كان القانون 49 صدر في 7/7/1980 ومعلوم أنه من قبل صدور هذا المرسوم وحتى نهاية القرن العشرين لم يقع صدام مع العدو الصهيوني، ولا اشتباكات مسلحة مع أي عدو من أعداء الوطن، لذلك فإن محاكمة الإخوان المسلمين أمام هذه المحكمة باطل وإن قراراتها معدومة، وقضاتها الذين أصدروا أحكاماً بالإعدام يعتبرون قد ارتكبوا جرائم قتل عمداً ولا بد للشعب من محاكمتهم.
“الدستور” كلمة فارسية ومعناها في الأصل مجموعة قوانين الملك. وقد دخلت اللغة التركية ثم شاعت في اللغة العربية، وأصبحت لها عدة معانٍ تطورت مع الزمن.
غير أن لفظ “دستور” يُطلَق اليوم في أكثر الدول العربية ويُراد به القانون الأساسي الذي يقرر نظام الحكم للدولة، وسلطة الحكومة، وطرق توزيع هذه السلطة، وكيفية استعمالها، كما يبيّن حقوق الأفراد وواجباتهم.
وللدستور شأن ليس لغيره من القوانين، وهو ما يوصف بسموّ الدستور أو علوّه، أو بمركزه الممتاز بالنسبة للقوانين العادية، حتى يصبح في مأمن من خطر الأهواء، والفورات الوقتية، لذلك يتعذر أن ينال بالتعديل، أو التغيير، إلا عندما تدعو أقصى الضرورات إلى ذلك، وفي حالة تعارض نصوصه مع القوانين العادية، تكون الغلبة للدستور، ثم لا يصدر قانون على خلاف حكم الدستور.
ويجعل الدستور الحكم في يد هيئة من المواطنين تتوافر فيهم كفاءات خاصة لهذه المهمة، وهي الحكومة، وقد أخضع الحكومة لرقابة الرأي العام الذي يمثله أعضاء الهيئة التشريعية، وتعرف بالبرلمانات، أو مجلس الأمة، أو مجلس الشورى، أو مجلس الشعب. وإن قاعدة دستورية القوانين يُقصد بها ضرورة مطابقة القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية لنصوص الدستور المكتوب. وإن أي قانون يصدر على خلاف حكم هذا الدستور، يعتبر تشريعاً غير دستوري، ويجب على القضاء الامتناع عن تطبيقه، كما يتوجب على المحكمة الدستورية الحكم بإبطاله.
لقد نشأت معظم الدساتير الغربية تحت تأثير النهضة الفكرية في أواخر العصر الوسيط، وبضغط الثورات المشهورة التي قامت في سبيل تأييد الشعوب، وتحريرها من طغيان الدولة، ومن استبداد الدكتاتورية.
وقد اعترفت الدساتير بحقوق الشعب، وبتثبيت الديمقراطية البرلمانية، ونصّت على حرية العقيدة، وحرمة النفس والمال والمنزل، وضمنت حرية التقاضي وعدم التجريم بدون محاكمة عادلة، وأكدت المساواة أمام القانون، إذ لا يوجد أحد فوق القانون، حتى رئيس الدولة يخضع للقانون، ويُسأل عن أفعاله المخالفة للقانون. كما وزّعت الدساتير السلطة بين ثلاث مؤسسات متوازنة وهي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، بحيث لا تطغى سلطة على أخرى، ويوضع الدستور بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب، باعتبار أن الأمة مصدر السلطات جميعاً.
كما أن الدساتير الحديثة في الشرق والغرب، أقرّت بأن السيادة للشعب، وأن الأمة هي مصدر السلطات. وقد أحيطت هذه العبارة بهالة من القداسة والإجلال، لأنها كانت نتيجة لصراع طويل بين السلطة المطلقة للملوك، وبين الشعوب التي ناضلت في سبيل الحرية، وإن مبدأ السيادة للشعب يتضمن عدداً من المبادئ الأساسية التي يُعتبر فقدان أيّ مبدأ منها، انتقاصاً لحقوق الشعب. وأهم هذه المبادئ:
1 – إن الشعب هو الذي يضع الدستور بإرادته الحرة المطلقة.
2 – إن القوانين تطبق على جميع المواطنين، كبيرهم وصغيرهم، ولا يوجد أحد فوق القانون، وكلما ارتفعت مكانة المواطن في الدولة، كانت مسؤوليته أكبر.
3 – رئيس الدولة أول من يطبَّق عليه القانون، لأنه هو الذي يرعى القانون .. وكما أن القانون أعطاه من السلطات ما لم يعطه لغيره، فقد فرض عليه من الواجبات ما لم يفرضها على غيره، لذلك، فإن المخالفة التي يرتكبها المواطن العادي، تعتبر بالنسبة لرئيس الدولة جنحة، والجنحة تعتبر بحقه جناية، وذلك ضماناً لعدم انحرافه، لأن انحرافه تدمير للأمة.
4 – الشعب مصدر السلطات، وهذا يعني أن الشعب هو الذي يعين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، ولا سلطان فوق سلطانه، وإن كل محاولة لإنقاص هذه السلطة، تعتبر خيانة للشعب، لسلب سلطانه المقدس. وسلطة الشعب لا تقبل المساومة، ولا يملك فرد ولا حزب ولا هيئة ولا طائفة الادعاء بتمثيله للشعب بموجب سلطات مقدسة، أو ثورية، أو طبقية، أو غير ذلك، ويعبر عن سلطاته بانتخاب الحكام وعزلهم، وانتخاب غيرهم، بانتخابات حرة نزيهة، بحيث يُعطى لجميع أفراده بدون تمييز، حقّ الترشيح لأي منصب، وحق الإعلان عن آرائه وأفكاره بشكل مطلق، وحق الإعلان عن ذلك بشكل متكافئ، دون احتكار وسائل الإعلام لفئة دون أخرى.
5 – لا يجوز أن تجمع السلطات بيد مؤسسة واحدة، بل توزّع السلطات بين ثلاث مؤسسات هي: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية توزيعاً متوازناً بحيث لا تطغى سلطة على أخرى.
6 – ويجب أن يضمن الدستور حرية الفكر، والعقيدة، وإبداء الرأي، واحترام الرأي المخالف، والتعددية السياسية، وحرية تشكيل الأحزاب، والنقابات المهنية، والعمالية، وحرية الصحافة، والسماح بالتعددية السياسية.
قراءة في دستور الجمهورية العربية السورية الصادر في 13 آذار 1973
1 – إن هذا الدستور لم يوضع من قبل جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب لهذه المهمة، وإنما وضع من قبل حكومة استولت على الحكم بانقلاب عسكري، وقامت هذه الحكومة الانقلابية بتعيين مجلس أطلقت عليه اسم مجلس الشعب، وكلفته بالمصادقة على هذا الدستور.
2 – أعطى هذا الدستور رئيس الدولة الذي سمته رئيس الجمهورية، سلطات مطلقة وخيالية تشبه سلطة كسرى، وقيصر، والملوك، والأباطرة في القرون الوسطى.
وفي الوقت نفسه حصنه الدستور من المساءلة والمحاكمة والمحاسبة عن أي عمل خاطئ، أو انتهاك للقوانين أو ارتكاب لأي جريمة، سواء أكانت هذه الجريمة تشكل مخالفة أو جنحة، أو جناية، ولم يعط الحق لأي سلطة بمساءلته إلا في حال الخيانة العظمى ووضع لهذه المساءلة شروطاً تعجيزية، بحيث يستحيل توفر هذه الشروط من أجل مساءلته أو محاكمته، فقد نصت المادة (95) من الدستور: “يعيِّن رئيسُ الجمهورية نائبَ الرئيس، ويعيِّنُ رئيسَ مجلس الوزراء، ويعين الوزراء، ويعفيهم من مناصبهم”.
ونصّت المادة (100): “وهو الذي يعلن الحرب، والتعبئة العامة، ويعقد الصلح”.
ونصّت المادة (101): “وهو الذي يعلن حالة الطوارئ ويلغيها”.
ونصّت المادة (103): “رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ويصدر جميع القرارات والأوامر لممارسة هذه السلطة، وله حق التفويض ببعض هذه السلطات”.
ونصّت المادة (107): “يحلّ مجلس الشعب بقرار معلّل يصدر عنه”. فهو الذي يقرر متى يحل مجلس الشعب.
ونصّت المادة (109): “يعين رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم”.
المادة (111): “يتولى سلطة التشريع في المدة الفاصلة بين دورتين تشريعيتين، وأثناء انعقاد المجلس إذا استدعت ذلك الضرورة القصوى المتعلقة بصالح البلاد القومية”. طبعاً هو وحده الذي يقرر الضرورة القصوى.
ونصّت المادة (133): “يرأس رئيس الجمهورية القضاء الأعلى”.
ونصّت المادة (139): “تتألف المحكمة الدستورية العليا من خمسة أعضاء يكون أحدهم رئيساً، يسمّيهم رئيس الجمهورية”.
والمادة الجامعة من مواد الدستور هي المادة (91) والتي نصها: “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولاً عن الأعمال التي يقوم بها مباشرة، إلا في حالة الخيانة العظمى ويكون طلب اتهامه بناء على اقتراح من ثلث مجلس الشعب على الأقل، وبتصويت علني، وبأغلبية أعضاء المجلس، وبجلسة خاصة سرية، ولا تجري محاكمته إلا أمام المحكمة الدستورية التي تعيَّن من قبله”.
3 – نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور على أن: السيادة للشعب، ويمارسها على الوجه المبين من الدستور. وتأتي المادة الثامنة لتنزع السيادة من الشعب، وتضعها في يد الحزب الحاكم، فقد نصّت على ما يلي: “حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة”.
وماذا بقي من السيادة للشعب، طالما فرض حزب البعث نفسه على المجتمع والدولة، قائداً وحاكماً وسيّداً لا يملك الشعب حقّ محاسبته أو إقالته وانتخاب غيره؟
4 – لم ينص الدستور على مبدأ “الشعب مصدر السلطات”، لذلك فإن رئيس الجمهورية الذي يتمتع بكافة السلطات التنفيذية والتشريعية والهيمنة الكاملة على القضاء، لا يملك الشعب حقّ اختياره، ولا عزله وانتخاب غيره، لأن الدستور اعتبر هذه السلطة بيد القيادة القطرية لحزب البعث، لا ينازعها فيها منازع، وليس أمام الشعب سوى حق الموافقة على من ترشحه القيادة القطرية لحزب البعث.
5 – إن هذا الدستور يكرس السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية بيد رئيس الجمهورية، أما مجلس الشعب الذي يجب أن تكون بيده السلطة التشريعية، ومجلس القضاء الأعلى الذي يجب أن تكون بيده السلطة القضائية، فليس لهما إلا سلطات محدودة. فالمجالس التشريعية يجب أن تنتخب مباشرة من قبل الشعب انتخاباً حراً، وحتى يكون الانتخاب حراً، يجب أن يكون هناك حرية تشكيل الأحزاب، وحرية إصدار الصحف، وتأسيس الإذاعات، ومحطات التلفزيون، ووسائل الاتصال بالجماهير، وحرية الفكر، وحرية إبداء الرأي، وإذا علمنا أن جميع وسائل الإعلام ملك للدولة، يمارسها عنها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي سماه الدستور السوري بالحزب القائد في الدولة والمجتمع ..
وإذا علمنا أن الأحكام العرفية معلنة في سورية منذ تاريخ 8/3/1963 بالأمر العسكري رقم (2) وهو أول يوم للانقلاب الذي أوصل حزب البعث إلى السلطة، أي قبل صدور الدستور موضوع البحث بعشر سنوات، وما زالت حالة الطوارئ قائمة في سورية حتى الآن، وهي مستمرة .. وكما بينا أعلاه، وأن جميع وسائل الإعلام بيد حزب البعث؛ يتبين لنا أيُّ دور هزيل يبقى للشعب في انتخاب المجالس التشريعية التي تتم من خلال ذلك.
إضافة إلى أن رئيس الجمهورية يتولى سلطة التشريع في المدة الفاصلة بين دورتين تشريعيتين، وأثناء انعقاد المجلس كلما اقتضت الضرورة ذلك، وهو الذي يقدّر هذه الضرورة وليس لمجلس الشعب الحقّ في أن تقدّم الوزارة له البيان الوزاري، وتنال الثقة منه، بل إن رئيس الجمهورية هو الذي يعيّن الوزراء، ويعفيهم من مناصبهم، كما يعيّن ويعفي أيَّ موظف في الدولة.
أما السلطة القضائية، وهي الهيئة التي تختص بتفسير القانون وتطبيقه، ويشترط استقلالها عن السلطة التنفيذية، وعدم الاعتداء على سلطاتها، وهي التي تحقق التوازن بين السلطات الثلاث، بحيث لا تطغى سلطة على أخرى، وهي التي تحقق العدالة، وتقوّم الانحراف الذي يسلكه الأفراد والهيئات، وأصحاب السلطات .. هذه السلطة فقدت استقلالها، وتآكلت صلاحياتها بعد التوسع في تشكيل المحاكم الاستثنائية التي لا تخضع أحكامها للطعن أمام القضاء العالي، ولا يلزم قضاتها بتطبيق القانون في إجراءات المحاكمة، وهي أشبه بأقبية التعذيب التي يستخدمها رجال الأمن منها بالمحاكم.
كما أن رئيس الجمهورية، حين نصّبه الدستور رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، قد ألغى استقلال الجهاز القضائي مما بقي له من صلاحيات.
6 – كيف ينتخب رئيس الجمهورية؟ وما هي شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية؟ وهل يستطيع كل مواطن أن يترشح لهذا المنصب؟ وهل يحق للشعب أن يختار من يشاء من بين أبنائه الذين تتوفر فيهم صفات المواطنة الصالحة، أم أنهم يقيدون بأشخاص معينين؟
لقد نصّت المادة (84) من الدستور على: “يصدر الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ويعرض الترشيح على المواطنين لاستفتائهم فيه”.
بهذه العبارة المختصرة سُلخ حق المواطنين السوريين جميعاً في الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية، وانحصر الحق في الشخص الذي تسميه القيادة القطرية. كما أن ظاهر العبارة، أن مجلس الشعب هو الذي يرشح، والحقيقة أنه ملزم بترشيح من تقدّمه له القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ولا يملك صلاحية ترشيح غيره، فهو يمرره تمريراً ولا يملك سوى ذلك.
كما سلخ حق الشعب في أن يختار من يشاء ليكون رئيساً للجمهورية، وانحصر حقّه في الموافقة على من تقترحه – أي تفرضه – القيادة القطرية للحزب الحاكم والذي مرَّ من خلال مجلس الشعب.
والسؤال هو: من يراقب صناديق الاستفتاء التي تُملأ بالأوراق المكتوب عليها “نعم” إذا كان لا يوجد معارضة؟ فالمعارضة ممنوعة، والحزب القائد الذي يقود الدولة والمجتمع وحده، هو حزب البعث كما نصّ عليه الدستور، ولا يوجد مرشح منافس ليتاح للشعب أن يقارن ويختار بين شخصين، وأنصار كل منهما يراقبون صناديق الاقتراع، حتى لا يحاول أحدهما تزوير الانتخاب، وإنما حزب واحد ومرشح واحد، وهذا الحزب، وأنصار هذا المرشح، هم الذين يشرفون على الاستفتاء، ولذلك كانت النتيجة دائماً أربع تسعات (99.99 %)
7 – أمّا الحرية الشخصية، وحرية الفكر والرأي والعقيدة، والحرية السياسية، وصيانة المساكن، وحقّ التنقل، وحق العمل .. التي نصّت عليها المواد (من 25 إلى 39) من دستور الجمهورية العربية السورية النافذة، فقد ألغتها المادة (153) من الدستور نفسه، فقد نصّت هذه المادة على ما يلي: “تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدَّل بما يوافق أحكامه”. فما هو المقصود بهذه التشريعات؟ المقصود بذلك هو التشريعات القمعية التي كانت نافذة قبل نفاذ الدستور، والمخالفة لأحكام المواد التي نصت على ضمان الحرية الشخصية، والحرية السياسية والفكرية، وحرية إبداء الرأي، والتي كان يجب أن تلغى فوراً منذ صدور هذا الدستور، إلا أن واضعي هذا الدستور، ثبتوا هذه المواد لإلغاء مواد الدستور المتعلقة بالحريات العامة، ورغم مرور أكثر من تسعة وعشرين عاماً على نفاذ هذا الدستور، فإن القوانين القمعية المخالفة لهذا الدستور، والتي حرمت الشعب السوري من حرياته الأساسية، ما زالت سارية لم تعدل ولم تُلغ. ومن هذه التشريعات:
أ – قانون حالة الطوارئ الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (51) تاريخ 22/12/1963 وإعلان حالة الطوارئ المعلنة بالأمر العسكري رقم (2) تاريخ 8/3/1963 والتي ما زالت قائمة حتى كتابة هذه السطور.
ب – قانون إحداث إدارة أمن الدولة، الذي ألغى المساواة بين المواطنين أمام القضاء، بمنع القضاء من ملاحقة رجال الأمن عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء مزاولتهم لأعمالهم، أو بسببها، ولو اتخذ المتضرر صفة الادعاء الشخصي، إلا بطلب من رؤسائهم.
ج – قانون حماية الثورة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (6) تاريخ 7/1/1965 والذي يعاقب على الرأي الحر المخالف لرأي الحزب الحاكم، بوضع صاحب هذا الرأي في سجن الأشغال الشاقة مدى الحياة.
وقد طبّق هذا القانون على دعاة حقوق الإنسان، فقد اعتبرت محكمة أمن الدولة أن الدعوة إلى احترام حقوق الإنسان، والانتقاد الموجه إلى انتهاكات هذه الحقوق، مخالف لتطبيق النظام الاشتراكي، وجرّمت لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لإصدارهم بياناً طالبوا فيه برفع حالة الطوارئ في سورية، وإلغاء الأحكام العرفية، ووقف الاحتجاز التعسفي، والإفراج عن السجناء السياسيين، وحكمت بوضعهم في سجن الأشغال الشاقة.
ومن هده القراءة لدستور الجمهورية العربية السورية النافذ منذ عام 1973 يتبين أنه مشوب بالبطلان لأسباب تتعلق بالشكل، وأسباب تتعلق بالموضوع.
أما الأسباب الشكلية فهي أن هذا الدستور لم يوضع من قبل هيئة منتخبة انتخاباً حراً نزيهاً مباشراً من قبل الشعب كهيئة تأسيسية لوضع الدستور، كما جرى العرف في سورية، وإنما وضع من قبل فئة استولت على الحكم بانقلاب عسكري ووضعته على مقاسها، وكبّلت به الشعب السوري بقيود تظن أنه غير قادر على كسرها، وفرضته عليه فرضاً.
أما الأسباب الموضوعية لبطلان هذا الدستور، واعتباره معدوماً، فهي كثيرة وأهمها:
1 – إن الدستور يوضع لحماية الشعب من طغيان الحكام، أما هذا الدستور فقد وضع لحماية الحكام من الشعب.
2 – إن الدستور يوضع لتأمين الحريات العامة للشعب، وعدم الاعتداء عليها، بينما ألغى هذا الدستور حريات الشعب كافة، فقد ألغى الحرية الشخصية، والحرية السياسية، وحرية الرأي والفكر والضمير.
3 – إن الدستور يؤمن المساواة بين المواطنين في تكافؤ الفرص، وبالأخص المساواة أمام القانون، بينما كرس هذا الدستور التمييز بين المواطنين، فجعل هناك فئة من المواطنين يمتلكون السلطة المطلقة استناداً إلى الشرعية الانقلابية، وهم أصحاب حق مقدس بقيادة الشعب رغماً عنه، وقائد هذه الفئة هو فوق القانون وأكثرية الشعب فئة مستضعفة، ليس لها من الحقوق إلا تنفيذ رغبة الأقلية، والخضوع لسلطانها.
4 – إن الغاية الأساسية من وضع الدستور هي تأمين مبدأ سيادة الشعب، وأن الشعب هو مصدر السلطات، بينما نزع هذا الدستور السيادة من الشعب، ومن كونه مصدر السلطات، ووضعها في يد حزب البعث العربي الاشتراكي والرموز المتحكمة فيه، واعتبر هذا الحزب هو مصدر السلطات، وهو الذي يملك السيادة على الشعب.
5 – لما كانت سورية هي إحدى الدول الموقعة على العهدين الدوليين لحقوق الإنسان: العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كان يجب أن ينسجم الدستور مع مبادئ هاتين الاتفاقيتين، لأن المعاهدة الدولية مقدمة على الدستور، ولأن الدولة لا يمكن أن توقع على معاهدة مخالفة لدستورها، ولا بد أن تعدل المعاهدة أو يعدل الدستور، ولما كانت المعاهدة المذكورة قد وُقعت من قبل الحكومة السورية قبل صدور هذا الدستور وجاء هذا الدستور مخالفاً لأحكامها، ومنتهكاً لحقوق الإنسان في الحياة والحرية التي أقرتها، فهو مشوب بالبطلان.
خاتمة
وإن جميع الأحرار في العالم، ودعاة الحرية، وحقوق الإنسان، مدعوون لمؤازرة سورية ودعمها في استرداد سيادتها، وتأمين الحرية والديمقراطية لشعبها، واحترام حقوق إنسانها.
أمّا الشعب السوريّ المغلوب على أمره، المحكوم بقوانين الطوارئ، والأحكام العرفية، والمحاكم الميدانية والاستثنائية، فقد رفض هذا الدستور، عندما عُرضت مسودته على مجلس الشعب، وثار بعلمائه ومثقفيه ونقاباته وأحزابه المقموعة، وأعلن الإضراب العام، وعمّت المظاهرات السلمية المحتجّة سائر المدن السورية، وقاطعت جماهير الشعب الاستفتاء عليه، فكانت نسبة المقترعين في حدود 22 % وردّت الحكومة بحملة اعتقالات واسعة، ونزل الجيش إلى شوارع بعض المدن، يفتح أبواب المحلات المغلقة بالقوة، يكسر أقفالها، ويحطّم زجاجها، ويعبث بمحتوياتها، ثم فرض هذا الدستور على الشعب الذي رزح لأحكامه ومبادئه المتخلَّفة الجائرة، ولكنّ الذين فرضوا هذا الدستور لم يحترموه، ولم ينفذوا ما نادى به، بل عبثوا به حسب أهوائهم، وكان آخر عبث، ذلك الفصل الكوميدي – التراجيدي الذي يقرّح العيون من الضحك، ويدمي القلوب من الحزن نعني فصل تعديل بعض موادّه، من أجل خلافة الولد لأبيه، وهو ما لم يحدث في أي دستور، وخاصة في سورية الدولة “الجمهورية” التي عُرف شعبها بالنباهة والحضارة والإباء والشمم، ولكنه مقموع، والأجهزة الأمنية له بالمرصاد، وهو لم ينس تضحياته التي بلغت عشرات الآلاف من أبنائه الشهداء والمعتقلين، ومئات الآلاف من المهجّرين إلى أصقاع الدنيا.
إننا ندعو أحرار العالم لكي يقفوا إلى جانب الشعب السوري في محنته الدستورية، كما وقف هذا الشعب مع سائر الشعوب الثائرة من أجل تحررها من أشكال الاستعمار القديم والحديث والمناضلة من أجل التخلص من أشكال العبودية والقهر.
______________
* المستشار القانوني السابق للجنة السورية لحقوق الإنسان. توفي الأستاذ محمد عنجريني في 27 / 11 / 2000 عن عمر يناهز 70 عاما قضى آخر 20 عاماً منها في المنفى القسري ثمناً لمنافحته في أوائل الثمانينات عن حقوق الإنسان في سورية حين كان أمين سر نقابة المحامين في مدينة حلب. وكان الراحل قد كتب دراسات للقوانين القمعية في سورية استقيت منها هذه السلسلة واعترافاً بالفضل لفقيد اللجنة أُشير إلى اسمه.