بعد حصار دام أكثر من سنة لمحافظة حمص من قبل القوات العسكرية الحكومية، وفي إطار استمرار حملة القتل والقصف والتنكيل بالمواطنين في محافظة حمص، قامت القوات العسكرية الحكومية وبمساندة ميليشات ما يسمى “الجيش الشعبي” و “حزب الله اللبناني” إلى البدء بحملة همجية على أحياء حمص القديمة حيث عملت هذه القوات على قصفها بكافة أشكال الصواريخ والقذائف، وعمدت القوات العسكرية خلال هذه الحملة الشرسة على الأحياء القديمة إلى حرق السجل العقاري في حمص، والذي يشكل مرجعاً تاريخياً وقانونياً لمالكي العقارات في حمص، حيث قامت هذه القوات بتاريخ 1/7/2013 بقصف أحياء المدينة القديمة، الأمر الذي أدّى إلى حرق مبنى البلدية في حمص وريفها كاملاً، وهو السجل الذي يحوي على دائرة السجل العقاري الخاصة بسندات الملكية العقارية؛ وسجلات المساحة للعقارات.
وقد بدأ السجل العقاري في سوريا بالانتظام بين أعوام ١٩٠٩ و١٩١٤، وبدأت تظهر ملامح اكتمال السجل العقاري في حمص في أواسط الثلاثينات من القرن العشرين، حيث قام الانتداب الفرنسي بعملية كبرى لتدوين السجلات العقارية، مترافقة مع ما عُرف بالتحرير والتجميل لملكية الأراضي، وعليه تم بناء شبكة السجلات العقارية وتوثيق الملكية التي استمرّت بشكلها ذاك إلى يومنا الحالي.
وتحتفظ السجلات العقارية لكل محافظة بأوراق تثبت ملكية العقارات والأراضي، مع تبيان مساحتها وشكل البناء عليها إن وجد فيها.
وأفاد سكان حمص عن أن أهداف هذا الحريق المتعمد لبناء السجل العقاري أنه يأتي ضمن هدف تغيير طبيعة المدينة الديمغرافية والسكانية خصوصاً أن هذا الحريق للسجلات العقارية أتى بعد استهداف أهل حمص وقتلهم وتهجيرهم وحصارهم بغرض إجبارهم على الرحيل وإحراق هذه السجل الذي يضم كل الوثائق و المستندات العقارية التي تربط سكان حمص بمنازلهم بهذا الشكل الإجرامي والممنهج يأتي في إطار محو تاريخ المدينة و طمس هويتها الديمغرافية .
ويذكر الباحث سعيد النظلة الذي شاهد عملية حرق مبنى السجل العقاري في حمص “إن إحراق السجل العقاري لحمص وريفها كاملاً عمل مقصود ومتعمد، فالحريق كما رأيناه كان يتم طابقاً بعد طابق، والآن حمص ومناطقها وقراها أصبحت بدون وثائق ملكية”.
وبحسب النظلة فإنّ المشكلة الكبرى هي أن السجل العقاري، الذي يُعد الموثِّق الوحيد للملكية في حمص، هو عبارة عن سجلات غير مؤتمتة”.
وبالإضافة إلى التأثير القانوني والتاريخي على حقوق الملاّك في حمص، فإنّ إحراق السجل العقاري ينطوي على مخاطر ديموغرافية وسياسية، حيث تسود مخاوف من إمكانية أن يكون إحراق السجل العقاري مقدمة لتغييرات طائفية وسكانية في المنطقة، خاصة مع المخاوف من إقامة منطقة نفوذ ذات غالبية علوية وشيعية على حساب الأغلبية السنيّة في حمص، وهي مخاوف أكّدتها الأنباء التي وردت عن نقل عدد من السكان المدنيين العلويين من الشمال الغربي الى بلدة القصير التي استعادتها أخيراً من قوات المعارضة المسلحة، وسمحت للعلويين بنهب الممتلكات، والاقامة في المنازل الفارغة للسنّة المهجرين.
كما تتعزّز هذه المخاوف مع الأنباء المتواترة عن قيام إيرانيين ولبنانيين وعراقيين بشراء بيوت حمص وعقاراتها لصالح النظام السوري، وقيام جهات إيرانية بشراء بيوت في حمص بأكثر من ثمنها، حتى ولو كانت البيوت محترقة أو مهدمة، مستغلين حاجة السكان للمال في الظروف الصعبة التي تشهدها المدينة.
ورغم احتراق السجل العدلي، إلا أن حقوق المواطنين يمكن حمايتها من خلال الأوراق الثبوتية التي يملكها أصحاب البيوت، والشهود والموثقين، إضافة إلى إلغاء كل عقود البيع للأجانب التي تمّت بعد حصار حمص، وكل العقود التي يتم عقدها بعد إحراق السجل العقاري في حمص.
إن جريمة حرق السجل العقاري من قبل قوات النظام تأتي في سياق الجرائم المتتالية التي يرتكبها النظام بحق السوريين، من تدمير للبيوت، وتهجير الأهالي منها، إلى غيرها من الجرائم التي يتم ارتكابها بصورة ممنهجة منذ أكثر من عامين.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان
2/7/2013